دموع جمال السلامي غالية علينا .. ويزن نعيمات في قلوبنا جميعًا
عميد متقاعد حسن فهد أبوزيد
15-12-2025 06:30 PM
حينما تكون المشاعر أغلى من النتائج، يكون المشهد غير ذلك.
فليست كل الانتصارات تُقاس بالأرقام، ولا كل الخسائر تُقرأ في جداول النتائج. أحيانًا تكفي دمعة واحدة صادقة لتلخّص المشهد كما نراه، لتكشف من خلالها معدن الرجال، وتقول ما تعجز عنه المنصات والمؤتمرات الإعلامية.
الدموع التي ذرفها جمال السلامي، مدرب منتخب النشامى، لم تكن في لحظة ضعف، وهي ليست دموع الفرح بالتأكيد، وإن كانت بمناسبة الفوز الذي تحقق على المنتخب العراقي، بل كانت لحظة صدق نادرة في زمن باتت فيه المشاعر تُخفى خلف الأقنعة، وتُحسب بميزان المصالح. كانت دموع مسؤول حمل الأمانة بضمير حي، وأدّى ما عليه بإخلاص، فخرجت مشاعره بطريقة عفوية، نظيفة، بلا تصنّع أو تمثيل.
في كرة القدم، كما في الحياة، ليس المهم فقط أين وصلت، بل كيف سرت في الطريق، وما هو نهجها. المنتخب الأردني، بقيادة السلامي، قدّم صورة مشرّفة ومشرقة: انضباط في الروح القتالية، احترام للجماهير، وإيمان حقيقي بتحقيق هدف يفخر به الوطن. وهذه القيم، في جوهرها، لا تقل أهمية عن كأس أو مركز متقدم أو أي ترتيب مرتفع ومتميز.
جمال السلامي لم يكن مجرد مدرب يضع خططًا فنية فحسب، بل كان قائدًا إنسانيًا قريبًا من لاعبيه، ومن وجدان الشارع الرياضي الأردني. وحينما بكى من أجل يزن، بكى معه الأردنيون، لأنهم رأوا في دموعه انعكاسًا لمشاعرهم، وتعبيرًا صادقًا من الأعماق عن طموحهم، وإحساسًا نبيلًا ومؤثرًا، وبقدرٍ كبير من المسؤولية.
من هنا، فإن المطالبة بتكريم هذا الرجل، جمال السلامي، الذي يستحق التكريم الرفيع، ليست مجاملة، ولا ردّة فعل عاطفية عابرة، بل استحقاق وطني وأخلاقي. تكريم من قدّم صورة مشرّفة عن الرياضة الأردنية، ومن أثبت أن القيم لا تُقاس فقط بالنتائج النهائية.
الاتحاد الأردني لكرة القدم معنيّ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن يكرّس ثقافة الوفاء، وأن يبعث برسالة واضحة لكل من يعمل بإخلاص: أن الجهد الصادق لا يُنسى، وأن المشاعر الوطنية الصافية محل تقدير واحترام.
بل إن هذه الحالة الإنسانية الراقية تستحق أن تُقدَّر أيضًا على مستوى أوسع، عربيًا ودوليًا، لأن الرياضة العالمية بحاجة إلى نماذج تعيد لها روحها، وتؤكد أن الإنسان يبقى في قلب اللعبة، قبل الألقاب والكؤوس، ويجب أن تكون على مستوى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
دموع جمال السلامي على نجم الكرة الأردنية يزن نعيمات حرّكت الشارع العربي بشكل عام، وبالأخص الشارع الأردني، وعلى رأسهم جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده سمو الأمير حسين، والأمراء علي وهاشم، الذين حضروا بعض هذه المباريات، وجميعهم يتوجهون إلى الله بالدعاء للكابتن المميز والمحترف يزن النعيمات، الذي أصبح أيقونة الكرة الأردنية، بالدعاء له بالشفاء العاجل والعودة السريعة إلى عرينه، حيث كرة القدم في ميادين العز والمنافسة الشريفة.
كل ذلك سيبقى في الذاكرة والوجدان، لأنها لم تكن دموع هزيمة ولا تمثيلية أو تصنّع، فقوتها في عفويتها، وهي دموع الحزن في وقت الفرح، لرجل أحب رسالته بصدق، وأداها بوفاء. وفي مثل هذه اللحظات، ندرك أن بعض المشاعر أهم من بعض النتائج.
فلم تكن دموع المدرب جمال السلامي تجاه أسد الملعب يزن نعيمات دموعًا عابرة، ولم تكن لحظة عابرة، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن حبٍّ لوطن، وإخلاصٍ لمهمة، وانتماءٍ حقيقي لمنتخب النشامى.
ومن هنا، نتمنى على الاتحاد الأردني لكرة القدم أن يقدّر هذا الموقف المؤثر بتكريم يليق بمدرب المنتخب، الذي له الفضل بعد الله في وصول المنتخب إلى ما وصل إليه، بجهد وعطاء كبيرين.
كما نرى أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مطالب بالالتفات إلى مثل هذه النماذج المشرّفة في عالم التدريب، التي تمثل القيم الحقيقية للرياضة: الاحترام، والالتزام، والروح الرياضية.
في كرة القدم، ليس كل فوزٍ انتصارًا، وليس كل خسارةٍ هزيمة. هناك خسارات تُشعرك بالفخر، وانتصارات تترك في داخلك فراغًا. الفارق ليس في لوحة النتائج، بل في ما قدمته من إحساس، والتزام، وشرف المحاولة.
حين ترى مدربًا أو لاعبًا متأثرًا، صادق الانفعال، تعرف أن ما قُدّم لم يكن تمثيلًا، بل كان جهدًا حقيقيًا، وستلمس بالتأكيد أثره وانعكاسه على الأداء.
أخيرًا، كل الأمنيات بالشفاء العاجل لهذا الرمز الكروي يزن نعيمات، لعودته سريعًا للالتحاق بالركب بعون الله، وتحقيق مزيد من الانتصارات في مجال كرة القدم .