رائع أن نرى توجهًا وطنيًا نحو إنشاء مدن جديدة تواكب المتطلبات الاقتصادية والديمغرافية في الأردن، غير أن الخطأ الأكبر يكمن في اختزال هدف هذه المدن في استيعاب الزيادة السكانية فقط، وكأنها حلول إسكانية مؤقتة لا أكثر. فالمدن لا تنجح بعدد سكانها، بل بهويتها، ووظيفتها، وقدرتها على خلق قيمة مضافة حقيقية.
إن مشروع مدينة عمرة الجديدة يجب أن يُدار برؤية استراتيجية مترابطة مع واقع العاصمة عمّان والمحافظات الأخرى، ومنسجم مع رؤية اللامركزية الملكية، مع الحفاظ على خصوصية كل مدينة وعدم تكرار النماذج العمرانية التقليدية. وهذا النموذج سيتعزز من خلاله.
أولًا: الهوية والتنظيم الحضري
تتميز المدينة بهوية عمرانية واضحة، مع ميزان تنظيمي يسمح بارتفاعات بين 10 و15 طابقًا، وتدرج محسوب حسب المناطق، ما يضمن توازنًا عمرانيًا يحافظ على المشهد الحضري ويعزز كفاءة استخدام الأرض.
ثانيًا: الهوية البيئية والاستدامة
تعتمد عمرة على الاستدامة كأساس للتخطيط، باستخدام الطاقة الشمسية، وأنظمة معالجة المياه لإعادة استخدامها في المساحات الخضراء والساحات العامة. ووجود المدينة في منطقة صحراوية جافة يمثل تحديًا وفرصة لاستغلال الطاقة الشمسية بشكل أمثل وتطبيق حلول مبتكرة لإعادة معالجة المياه، ما يحوّل القيود البيئية إلى قوة تميز هوية المدينة.
ثالثًا: بيئة حاضنة لريادة الأعمال
تتحول المدينة إلى بيئة حاضنة لريادة الأعمال من خلال إعفاءات مرحلية وتخفيف الأعباء الضريبية وتسهيلات جمركية، ما يشجع رواد الأعمال على الاستثمار ويحول المدينة إلى مركز إنتاج وابتكار ورافد مهم للاقتصاد الوطني.
رابعًا: الربط الوطني والإقليمي
النجاح مرتبط بقدرة المدينة على الاندماج ضمن منظومة وطنية متكاملة، عبر ربطها بالقطار أو المترو بالعاصمة عمّان وامتدادًا إلى العقبة، ما يعزز جاذبيتها للسكن والعمل والاستثمار، ويخفف الضغط عن العاصمة، ويدعم التنمية المتوازنة بين الأقاليم.
خامسًا: مشروع أيقوني يصنع الفارق
وجود مشروع أيقوني، مثل مضمار سباق سيارات دولي، أو دار أوبرا عالمية، أو مدينة ترفيهية مميزة على الصعيد الإقليمي، كفيل بوضع المدينة على الخارطة الإقليمية وخلق اقتصاد موازٍ يعزز جاذبيتها واستدامتها.
سادسًا: التخطيط الحضري والبنية التحتية ذات الطابع الخاص
تعتمد المدينة تصاميم عمرانية ومرافق فريدة تضيف شخصية متميزة، مع وسائل نقل مستدامة مثل الترام الكهربائي الذي يستمد طاقته من الطاقة الشمسية، ما يجعل عمرة نموذجًا عمليًا للذكاء الحضري والاستدامة.
وأخيرًا:
مدينة عمرة ليست مجرد توسع عمراني جديد، بل فرصة لبناء نموذج حضري متكامل يقوم على التنظيم الذكي، والاستدامة، والاقتصاد المنتج، ويعكس رؤية الأردن لمدنه المستقبلية. فالنجاح الحقيقي يكمن في الرؤية التي تقود البناء وتحوله إلى قيمة مضافة للوطن والمواطن.