النجاح المهني أم النجاح الوظيفي؟
م. رياض الخرابشة
22-12-2025 01:45 PM
* حين يكون المنصب محطة… لا وجهة
في بيئات العمل الحديثة، يكثر الحديث عن النجاح، لكن الالتباس يبدأ عند تعريفه. فهل النجاح هو الوصول إلى منصب أعلى؟ أم هو بناء مسار مهني متين قادر على الصمود أمام تغيّر المواقع والمؤسسات؟ هنا يبرز الفرق الجوهري بين النجاح الوظيفي والنجاح المهني؛ فرقٌ يبدو لغويًا في ظاهره، لكنه عميق الأثر في الممارسة والنتائج.
النجاح الوظيفي هو ذلك المرتبط بالموقع داخل الهيكل الإداري: ترقية، مسمّى جديد، مكتب أوسع، أو صلاحيات أكبر. وهو نجاح مشروع ومهم، لكنه يظل محكومًا بإطار المؤسسة وزمنها. يتحقق حين تُلبّى متطلبات الوظيفة، وتُدار الملفات بكفاءة، وتُقاس النتائج وفق مؤشرات أداء محددة. غير أن هذا النوع من النجاح، رغم وجاهته، قد يكون هشًا؛ إذ يتأثر بتغير الإدارات، أو تبدل السياسات، أو حتى انتهاء الحاجة إلى الموقع نفسه.
في المقابل، يأتي النجاح المهني بوصفه مسارًا لا موقعًا، وقيمة لا لقبًا. إنه نتاج تراكم الخبرة، وعمق الفهم، واتساق السلوك المهني، والقدرة على تحويل المعرفة إلى أثر. النجاح المهني لا يُقاس بعدد الترقيات، بل بمدى قابلية صاحبِه للاستمرار والتأثير أينما وُجد. وهو ما يفسّر كيف يحافظ بعض المهنيين على حضورهم واحترامهم حتى خارج الأطر الرسمية، بينما يتراجع آخرون فور مغادرتهم مناصبهم.
المفارقة أن النجاح الوظيفي قد يتحقق دون نجاح مهني، حين يُدار الموقع بحدوده الدنيا دون إضافة حقيقية، بينما يصعب أن يتحقق نجاح مهني حقيقي دون أن ينعكس، ولو جزئيًا، على المسار الوظيفي. فالمهني القادر على الفهم والتحليل وبناء الحلول لا يبقى طويلًا على هامش القرار، حتى وإن تأخر الاعتراف به.
المؤسسات الذكية تدرك هذا الفرق، فتستثمر في بناء المهني قبل أن تكافئ الموظف. تركّز على تطوير القدرات، لا فقط على ملء الشواغر؛ وعلى نقل المعرفة، لا احتكار المواقع. أما الأفراد، فخيارهم أكثر حساسية: إما مطاردة المنصب بوصفه غاية، أو بناء الذات بوصفها الأصل الذي لا يفقد قيمته بتغير الظروف.
في المحصلة، النجاح الوظيفي يحدد أين تقف اليوم، أما النجاح المهني فيحدد إلى أي مدى يمكنك الاستمرار غدًا. المنصب قد يُمنح، لكن المهنية تُبنى. ومن يختار أن يبني مساره قبل أن يطلب موقعه، غالبًا ما يصل إلى الاثنين معًا، لكن بترتيب أكثر حكمة واستدامة