* من إدارة الأزمة إلى صناعة الجاهزية

أكد وزير الصحة د. إبراهيم البدور خلال رعايته، لحفل إطلاق وزارة الصحة لبرنامج تعزيز الجاهزية للأوبئة في الأردأن تعزيز الجاهزية الوطنية للأوبئة في المملكة لم يعد خيارًا تقنيًا أو إجراءً ظرفيًا، بل هو التزام وطني راسخ يستند إلى رؤية استراتيجية تهدف إلى حماية الصحة العامة، وتعزيز الأمن الصحي .

وأشار إلى أن التجربة الأردنية خلال جائحة كوفيد-19 شكّلت مختبرًا وطنيًا حقيقيًا لاختبار الجاهزية.

وبالعودة الى التجربة الاردنية في فترة الجائحة من الناحية الايجابية والسلبية نرى أنها شكّلت خلال إدارة جائحة كوفيد-19 نموذجًا غنيًا بالدروس، عكس قدرة الدولة على التحرك المبكر واتخاذ قرارات حاسمة في لحظة عالمية شديدة الارتباك، حيث سارع الأردن منذ بدايات الجائحة إلى فرض إجراءات احترازية صارمة جدا وبناء إطار قانوني وتنفيذي لإدارة الأزمة، مما أسهم في الحد من انتشار الفيروس في مراحله الأولى والحفاظ على قدرة النظام الصحي مقارنة بالعديد من دول المنطقة، رغم محدودية الموارد. وقد أظهرت هذه المرحلة الشراكة بين الجهات الرسمية المختلفة ، وسجل الأردن خلالها معدلات وفيات منخفضة نسبيًا قياسًا بالإقليم، الأمر الذي عُدّ إنجازًا صحيًا مهمًا في سياق إقليمي ودولي معقّد .

غير أن التجربة الأردنية كشفت ايضا في مراحل لاحقة عن تحديات جوهرية، أبرزها صعوبة الحفاظ على مستوى الصرامة ذاته مع طول أمد الجائحة وتكرار الموجات الوبائية، حيث شهدت المملكة خلال عام 2021 ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الإصابات قياسًا بعدد السكان مقارنة بدول مجاورة، وهو ما عكس تأثير الإرهاق المجتمعي وتراجع الامتثال وتحديات الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية. كما أظهرت الجائحة كلفة الإغلاقات على القطاعات الإنتاجية والتعليمية والفئات الهشة، وهي كلفة بدت أكثر وضوحًا في الدول ذات الموارد المحدودة مقارنة بدول أخرى في الإقليم استطاعت التخفيف من آثارها عبر حزم دعم واسعة.

وبرزت خلال الجائحة تحديات مرتبطة بالتواصل المجتمعي والثقة العامة وتردد بعض الفئات في تلقي اللقاحات، وهي عوامل أثّرت على وتيرة التحصين المجتمعي، شأنها شأن كثير من دول المنطقة والعالم، إلا أن تأثيرها كان أكثر حساسية في سياق اقتصادي ضاغط.

ومع ذلك، فإن ما ميّز التجربة الأردنية هو قدرتها على تحويل الأزمة إلى رصيد معرفي ومؤسسي، من خلال توثيق الخبرات وتطوير أدوات الترصد والاستجابة وبناء شراكات دولية فاعلة.

وتؤكد المقارنة مع دول الإقليم أن نجاح إدارة الأوبئة لا يرتبط فقط بوفرة الموارد، بل بقدرة الدولة على اتخاذ القرار المبكر، والتنسيق بين القطاعات، وبناء الثقة المجتمعية، وضمان استدامة الإجراءات. ومن هذا المنطلق، تمثل التجربة الأردنية أساسًا مهمًا للانتقال من منطق إدارة الأزمات إلى منطق الجاهزية المسبقة، وهو ما يتجسد اليوم في برنامج تعزيز الجاهزية للأوبئة، الذي يستثمر دروس كوفيد-19 لبناء منظومة صحية أكثر مرونة واستباقية ضمن نهج الصحة الواحدة، بما يعزز الأمن الصحي الوطني ويضع الأردن في موقع متقدم كنموذج قابل للاستفادة على المستويين الاقليمي والدولي.