مضمون رسالة عيد الميلاد المجيد
فيصل تايه
25-12-2025 09:37 AM
يحتفل أبناء الطوائف المسيحية اليوم بعيد الميلاد المجيد ، هذه المناسبة الروحية العظيمة التي تحمل في جوهرها معاني المحبة والسلام والرجاء، لذلك دعونا ننتهز هذه الفرصة لنهنئ إخواننا المسيحيين بهذه المناسبة الجليلة، مع إيماننا العميق بالرسالة الخالدة لديننا الحنيف، الرسالة التي أراد الله أن تكون مشكاة للبشرية ونوراً يهدي القلوب، رسالة المحبة والسلام والوئام، لنستمد منها الخير للإنسانية جمعاء، هذا الخير الذي تتلاقى من خلاله المجتمعات ذات الرسالات السماوية والمعتقدات والتقاليد الأخلاقية المتنوعة من أجل العيش المشترك القائم على المحبة والاستقرار والتعاون والتضامن، فذلك هو المصدر الحقيقي للرقي بالإنسان، واحترام حقوقه، وتحقيق العدالة والمساواة، وتجسيد الإنسانية بأبهى صورها وأنبل معانيها.
إن إخواننا المسيحيين هم جزء أصيل وثابت من مكونات شعبنا الأردني الواحد، فالأردن كان وما يزال نموذجاً حضارياً وإنسانياً يحتذى به في التعايش والتآخي بين جميع مكوناته، وإن هذه المناسبة نعتبرها عيداً وطنيًا لكل أبناء الأردن، الوطن الذي يحتفل دائماً بأعياده الدينية الإسلامية والمسيحية بروح واحدة وقلب واحد، ويعكس بذلك أسمى معاني الانسجام والمودة بين جميع مكوناته، لذلك فإننا وكافة أبناء هذا الوطن نشاطر المسيحيين مشاعر الفرح والاعتزاز بهذه المناسبة، باعتبارها تعبيرًا صادقًا عن وحدتنا الوطنية الراسخة، فنحن نجسد بذلك قيم المحبة والوئام، إذ إن هذه الأعياد تشكل فرصة حقيقية لتعزيز التسامح والمحبة والإخاء، والتوحد خلف مصالح وطننا العليا، كما تشكل أوقاتًا متجددة لاستشعار الرابطة الإنسانية، والحاجة الدائمة إلى السلام والاستقرار والأمن، ووقتًا لربط الصلات، وتآلف القلوب، وتماسك الإنسانية في مواجهة التحديات.
إننا ونحن نقدم التهاني لإخواننا المسيحيين، نضرع إلى الله تعالى أن يديم علينا نعمة الطمأنينة والأمن، فنحن في الأردن أسرة أردنية واحدة كبيرة، ننتمي جميعنا لهذا الوطن العزيز، مؤكدين دومًا ولاءنا المطلق لقيادتنا الهاشمية الحكيمة التي تبث قيم المحبة والتسامح والحوار، فنجسد بذلك لوحة فسيفساء وطنية متجانسة لا يزيدها التنوع الديني إلا جمالًا وغنىً وعطاءً، ما يدفعنا جميعًا إلى أن نستلهم من جوهر هذه المناسبات المقدسة معاني التسامح والتماسك والتكافل في وطن الخير والمحبة.
وفي هذا اليوم، وفي ظل مرحلة مفصلية يمر بها الأشقاء الفلسطينين ، حيث تُضيَّق الخناق على أهلنا في غزة والضفة الغربية ، تتجه قلوبنا وضمائرنا بألمٍ عميق إلى حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة، وإلى خطورة التداعيات الكارثية التي تضرب جوهر القيم الإنسانية والروحية في هذه الأرض المقدسة ، ففي ظل هذا المشهد الإنساني القاتم، ما زالت المساعدات الإنسانية تصل ببطء لا يوازي حجم الكارثة، وما زالت نظرة المجتمع الدولي قاصرة عن الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية المطلوبة، في وقت تستمر فيه سياسات التضييق والممارسات الصهيونية دون رادع، الأمر الذي يستدعي مواقف دولية أكثر جدية وحزمًا، ودعمًا أقوى وفاعلًا، يضع حدًا لهذه الانتهاكات ويعيد الاعتبار للقانون الدولي ولقيم العدالة الإنسانية.
كما تتجه قلوبنا وضمائرنا إلى مهد السيد المسيح والى القدس، مدينة السلام وملتقى الروح والجسد لسائر البشر، خاصة في مثل هذه الأيام المباركة التي تشهد إقامة الطقوس الدينية الجليلة، فالقدس ستبقى رمزًا خالدًا للتعايش والمحبة والسلام، رغم الاحتلال الذي يحاول قتل روح الحياة فيها عبر الاستيطان والإجراءات العنصرية الوحشية، إلا أن إرادة وصمود المقدسيين، مسلمين ومسيحيين، ستبقى عصية على الانكسار، وستفشل كافة المخططات .
ان ثبات موقفنا كأردنيين يأتي من إيماننا العميق بضرورة الحفاظ على المقدسات، وعلى الرابطة الدينية والقومية والتاريخية المتجذرة للهاشميين والعرب والمسلمين عمومًا بالقدس، مع تأكيدنا الدائم على الدور التاريخي والمحوري لجلالة الملك عبد الله الثاني في الوصاية والرعاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، لتبقى القدس عنوانًا للحياة والصمود والشموخ.
وأخيرًا، دعواتنا الصادقة أن يعيد الله هذا العيد وكل الأعياد علينا وقد تحققت آمالنا وتطلعاتنا في ظل راية حضرة صاحب الجلالة، كما ندعو الله أن يعم السلام في بلد السلام، وأن تبقى القدس ومقدساتها مفتوحة لجميع المؤمنين وأتباع الديانات السماوية، ليؤدوا شعائرهم الدينية بكل حرية وأمان.
كما نبتـهل في هذه المناسبة المباركة إلى الله عز وجل أن يحفظ الأمة العربية، وأن يمنّ عليها بوافر الاستقرار، ويعينها على تحقيق الحرية والاستقلال، بعيدًا عن دنس الفئوية والمذهبية والاستبداد والتطرف والإرهاب، إنه سميع مجيب الدعوات.
وكل عام وأنتم بألف خير.