facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




السردية التاريخية الأردنية !! هل حقاً يملك الأردنيون تاريخاً؟


د. محمد البطاينة
25-12-2025 07:09 PM

الأردن هذا الحيز الاجتماعي السياسي القائم بين شموخ الهضاب و قسوة الصحراء، هذا التنوع الجغرافي و المناخي منح الشعب الأردني سماته ليكون تجهم الاردنيين وصرامتهم وعنفوانهم نتاج هذا التفاعل بين الطبيعة والإنسان، سمات ثقافية مختلفة للشخصية الأردنية وُلدت من رحم الجغرافيا، فشمال الاردن حتى البلقاء جزء من سهل حوران ولكن استقل عنه، وجنوب الأردن جزء من بادية الشام الممتدة حتى صحراء النفوذ والتي انفصل عنها؛ الأردن ليس سهل ولا جبل ولا بادية كما أن الأردنيين ليسوا بالمطلق بدواً ولا فلاحين او حضريين ولكن بينهما؛ يد على معول البناء و عود الحراثة و أخرى على زناد البندقية.

الإنسان الأردني قائم على هذه الأرض منذ آلآف السنين و الوجود الحضاري تم تدشينه منذ حوالي ١٠٠٠٠ عام ق.م ، ممالك أقامت دولها على أرض الأردن ( في فترات متزامنة ) كالعموريين أبناء عمومة الكنعانيين (سكان فلسطين) والأدوميين اللذين استقروا في بصيرا( الطفيلة) وعرفوا التجارة البحرية، والمؤابيين ( في الكرك) وقد حكمها ملك عظيم يدعى ميشع دوّن انتصاراته على حجارة ذيبان، وكذلك العمونيين في ربة عمون (عمان) والبلقاء واربد وهم الذين طردوا العبرانيين من الأردن إلى فلسطين، أمّا الاستقرارالذي عرفته هذه الممالك فقد ناف عن ١٥٠٠ سنه وعلى الرغم من اتحاد هذه الممالك ضد هجوم نبوخذ نصر (البابلي ) إلاّ أنها مُنيت بهزيمة ابقت الأردن تحت الحكم الأجنبي البابلي والفارسي واليوناني على التوالي ولثلاثة قرون حتى طَرد العرب الأنباط ومنهم اليوم قبائل الحويطات وبني عطية واللياثنة اليونايين من المنطقة ليقيموا حضارتهم العظيمة.

قسوة الصحراء يعدها البعض منقصة في تاريخ الأردن والأردنيين ولكني أراها مفخرة تستحق الثناء للآباء "الأنباط "الذين قهروا الطبيعة وطوعوا دكتاتورية الجغرافيا؛ إنها لعمري قسوة الطبيعة التي نتتطر الرد ممن يستحق الحياة. ولنا أن نسأل في هذا السياق هل معجزة حفر البتراء في الصحراء تقل قيمةً عن معجزة بناءالأهرامات ؟ ثم هل البداوة تستطيع أن تحفر المدن في الحجارة ؟هذا يعني حتماً خروج الأردنيين من طور البداوة إلى طور المدنية! والحضارة بعد أن مرّوا بطور( الفلاحة) والذي تميز بابداع طرق ري متطورة في الزراعة والتي كانت تعد مقياس التقدم الحضاري آنذاك. هذه صيرورة الأمة التي ما زالت ثقافتها ماثلة إلى اليوم في صورها الشعرية والدرامية (النبطية) ولتشكل بذلك البتراء دون منازع أيقونة الأردنيين الحضارية.

في القرن الأول الميلادي خضعت البلاد لحكم الرومان؛ كان حكماً اقتصادياً ثقافياً فدرالياً استقل فيه الأردنيون عن الأمبراطورية العتيدة واسسوا ما عُرف بتحالف المدن العشر ومنها فيلادلفيا(عمان) و أرابيلا (اربد) جراسا( جرش) وجدارا( أم قيس) . الأردن محضن المسيحية ومغطس السيد المسيح الذي تعمد في نهرها ليبارك ماءها كما بارك أرضها وهو من سار إلى الجليل مروراً بإربد، الأردن الذي تقدست أرضه بأقدام وأجساد الأنبياء والمرسلين والمصلحين؛ نوح وابراهيم ولوط وهود وشعيب والياس ويوشع وأصحاب الكهف. الأردن هو الانطلاقة الأولى" لصحب النبي" خارج الجزيرة وهم اللذين رووا بدمائهم أرضه ليقيموا دولة الإسلام، هي الأرض ذات الأرض التي كان يتندر أبو جهل مكذباً فيها نبؤة الرسول الأعظم بقوله " أن محمداً يعد أصحابه بجنان كجنان الأردن " ولكن وعد محمدٍ الصادق كان لأتباعه بحوض الشفاعة كما في الحديث" بين البلقاء وحضرموت".

الأردن بوابة الفتح الإسلامي التي بدأت بواكيرها في مؤته(٨ للهجرة) في ملحمة غير متكافئة سقط فيها قادة الجيوش الإسلامية الثلاثة ( زيد وجعفر وابن رواحة ) الاّ أن المسلمين بقوا عازمين على فتح هذه البوابة في معركة اليرموك التاريخية( ١٥للهجرة )؛ وهي المعركة الفاصلة التي اسقطت عرش الإمبراطورية البيزنطية وغيرت وجه المنطقة ولكن بعد سنتين من ذاك الزمان حصد الطاعون أرواح " جند الأردن"وباقي قادة الفتح الإسلامي( شرحبيل وأ بو عبيدة ومعاذ وضرار) لتواري أجسادهم ثرى الأردن. لقد شهدت معركة اليرموك تلاحماً اسلامياً مسيحياً وتعاوناً مع القبائل الأردنية(الغساسنة وجذام وبلي ) وهي القبائل التي قاتلت ببسالة جنباً إلى جنب مع جيوش الفتح لإنهاء الحكم الأجنبي للمنطقة العربية، لقد كان قتال أبناء الأردن من المسيحيين العرب والشرقيين تعبيراً عن رفضهم للمسيحية المختطفة التي حمل لواءها الغرب وتجسدت بتحويلهم روما كعاصمة للمسيحية في مقابل تهميشهم للمنطقة التي أنجبت المسيح وأحتضنته، كما يسجل هنا بأن أوائل الشهداء الذين قتلوا على أيدي الرومان _ابن قبيلة جذام الأردنية _ الصحابي فروة بن عمرو الجذامي وهو الذي انشد وهو مصلوب " بلغ سراة المسلمين بأنني سلمت ربي أعظمي ومقامي.

بعد حادثة التحكيم في أذرح تحولت الخلافة إلى بني أمية، الأمويون أعادوا إلى الأردن حيويته وثقله السياسي والاستراتيجي، يظهر ذلك في اعتمادهم على الأردنيين في تكوين الجيوش الاسلامية واستعانتهم بالغساسنة في اقامة الدواوين ودور المال لخبرتهم الواسعة وهم الذين اقاموا دولة مستقلة في كنف الدولة الرومانية. من جانب آخر كانت البادية الأردنية مقصد الأمراء الأمويين للراحة والاستجمام وإلى اليوم ما زالت قصورهم على الأرض الأردنية ماثلة للعيان ( قصر عمرة، الخرانة ، المشتى،الحلابات).

لم تشفع للأردنيين الحميمة( معان) مركز الدعوة العباسية في حرب وجود العباسيين مع الأمويين؛ ذلكَ أن الأردنيين انحازوا إلى الدولة الأموية وقاتلوا دفاعا ًعن مكانة بلاد الشام الاستراتيجية فاستحقت الأردن غضب العباسيين وتجاهلهم الذي أمتد لقرون، هذا الزلزال السياسي الذي هزالأردن وبلاد الشام تزامن مع زلزال جيولوجي مُدمر لينقل الأردن من التحضر إلى التبدي حتى مجيء الأيوبيين. يبدو أن الأردنيين كانوا أوفياء لأصهارهم من بني أمية فزوجة معاوية بن أبي سفيان المشهورة ميسون الكلبية هي أردنية والتي تركت زوجها شوقاً لأردنها وانشدت " لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصر منيفِ ....فما لي سوى وطني بديلاً فحسبي ذاك من وطن شريفِ.

الانتصار في حطين صُنع في الاردن فصلاح الدين قام بتحضير الجبال للقتال؛ ولأجل ذلك اقام خط القلاع في جبال( عجلون _ السلط _ الكرك_ الشوبك) ليكون النزال والانتصار. سقطت القدس مُجدداً ؛ومن لها غير الكرك لتستردها على يد أميرها الناصر داوود، الكرك ذاتها التي ستصبح فيما بعد منطلق أحمد بن قلاوون لاستعادة ملكه في القاهرة. لقد أولى المماليك الأقليم عناية فائقة وقد شهد الأردن إبان عهدهم صحوة دينية حتى غدت اربد وقراها في القرن الثالث عشر والرابع عشر للميلاد منارة للعلم الديني و من أشهر علماءها في ذلك العصر؛ العز بن عبد السلام _من مواليد قرية كفرالماء (لواء الكورة في اربد)؛ وهو الذي هدد كما تنقل الروايات ببيع سلاطين المماليك( العبيد) في الأسواق بعد استنكافهم عن قتال التتار ليشتري بثمنهم العدة والعتاد للمعركة.

امتازت حقبة الحكم العثماني في بداياتها بالاستقلال الإداري لألوية أقليم الأردن المعروفة تاريخيا ( عجلون ، البلقاء ، الكرك). الطبيعة الجغرافية المتنوعة والصعبة للمنطقة والمتراوحة بين وعورة الجبال وقسوة الصحراء، مع النزعة العشائرية للأردنيين عوامل أسهمت في اضعاف السيطرة المركزية العثمانية مقروناً ذلك بتوفر مصادر اقتصادية ذاتية عمادها الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة وإدارة طرق المواصلات وقوافل الحج وهو ما فرض حكماً لا مركزياً يشبه حكم المدن العشرة في زمن الدولة الرومانية وهو ما مثل نزعة استقلالية للأردن تجعله فريداً عن الشام و الحجاز. العوامل التي كانت سبباً في الاستقلال الإداري هي ذات العوامل التي أدت إلى الصراع البدوي الفلاحي لينتهي الصراع بترجيح كفة الاستقرار (النهج الفلاحي ) وبذلك استقرت الكثير من القبائل والعشائر في السهول والجبال والهضاب وليزرعوا في قراهم أشجار التين والزيتون والكروم.

منتصف القرن التاسع عشر اخضع العثمانيون الأردن مجدداً للحكم المركزي وكثفوا من وجود الدولة السياسي والاستراتيجي بتكريس هيمنة الإدارات المحلية واتساع نطاق التعليم وصدور الصحافة وإقامة بنك عثماني ومصارف للتسليف الزراعي؛ و احدث هذا الأمر نهضة اجتماعية وثقافية و اقتصادية وقد تمتعت مدينة السلط في تلك المرحلة بثقل حضاري ومدني فاق نظيره في المدن الأردنية الأخرى.

كانت الأسواق المجاورة تستورد الحبوب واللحوم والألبان من الأردن ووصل معدل الدخل من ذلك بين ٣٠٠ إلى ٤٠٠ ليرة ذهب شهرياً، كما تم في تلك الحقبة اقرارالأراضي والعقارات والواجهات العشائرية بموجب قوانين الملكية، الأمر الذي أدى إلى احداث نهضة زراعية انعشت الإقليم واجتذبت مهاجرين من فلسطين عملوا في التجارة ( نابلسية السلط) و أيضاً الأرمن والسوريون الذين عملوا في الحرف( شوام عمان و اربد) بالإضافة إلى هجرات فلاحي الشركس ( وادي السير) ليكون هذا الحراك الاقتصادي هو البيئة الاجتماعية التي أردنة المهاجرين وفرضت طابعها الثقافي والسيسيولوجي على الجميع بما فيهم فلسطينيو ما قبل النكبة.

لقد تمتع الأردن وما زال بحكم موقعه الاستراتيجي في قلب المنطقة والعالم بمكانه جيوسياسية فريدة وشكل عبر كل مراحل التاريخ محطة محورية في صنع السياسات والتغييرات الجذرية في المنطقة العربية عبر حواضره التاريخية ممثلة بمؤاب وبصيرا و البتراء وذيبان و أرابيلا وجراسا و فيلادلفيا و أذرح والحميمة وعجلون والبلقاء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :