في مواجهة التحولات المعاصرة وضغوط التغيير
م. عبد الغني طبلت الايوبيين
27-12-2025 10:09 AM
* أهمية إخراج أبنية السلط التراثية من نطاق الحماية الجامدة إلى الحماية الحيوية (2)
إن تبني ما يطلق عليه "الإحياء الحضري" Urban Revival للمكونات التراثية في مدينة السلط ، سيسهم في بلورة واعتماد وتطبيق مفهوم "التكييف الوظيفي" Adaptive Re-use على البيوت التراثية ، والتشديد على إعادة استعمالها في أغراض ووظائف جديدة (غير الأغراض التي أنشئت من اجلها) وهو ما سينزع عنها صفة الجمود والشلل القائمة
فالتكييف الوظيفي للبيوت التراثية سيعمل على رد الروح وإعادة الحياة اليها بمعطيات جديدة ووظائف مستحدثة ، الا ان ذلك يستلزم قيام جهات ومؤسسات السلط المهتمة (عامة وخاصة وتطوعية) ، بالتواصل مع المرجعيات المعنية بالأمر من اجل إجراء مراجعة واقعية للتشريعات ذات الصلة ، وفي مقدمتها "قانون حماية التراث العمراني والحضري رقم 5 لسنة 2005" تمهيدا لتنقيحها وتعديلها ، بغية توفير قاعدة قانونية تمكن تلك البيوت من التعافي والتجاوب مع مقتضيات التغيير الضاغطة عقب الانتقال من مفهوم الحماية الجامدة إلى الحماية الحيوية from Static to Dynamic
وعادة ما تتعامل التشريعات المعنية مع المبانى التراثية بمبدأ "الحماية الجامدة" وكأنها "ايقونات ساكنة" Static Icons دون روح ، والذي يوجب المحافظة على تلك البيوت دون مساس بهيئتها أو عناصرها أوظيفتها الأصلية ، إلا انه وبالرغم من نبل وأصالة غايات ذلك المبدأ ، فإن كثير من الصعوبات الاقتصادية والتعقيدات المجتمعية قد تولدت وشاعت بسببه
فالأبنية التي تفقد وظيفتها الحيوية المتماهية مع متطلبات المجتمع المعاصر ، ستتحول بالتأكيد إلى عبئ مادي ومعنوي سيثقل كاهل مالكيها نتيجة لمتطلبات الحفاظ والادامة ، وستولد العديد من الضغوط الحضرية والتنظيمية المقلقة للجهات ذات الصلة ، الامر الذي سيرفع من احتمالات إهمالها ومسارعة تدهورها وربما انهيارها واختفائها
وهنا يبرز جوهر التحدي: فالضغوط الحضرية المتزايدة في مدينة السلط ، وارتفاع كلف المعيشة ، وتفاقم تحديات وممارسات انتقال اعداد لايستهان بها من مختلف الفئات المجتمعية من قصبة المدينة إلى أطرافها "ظاهرة الاضمحلال الحضري" Urabn decay ، تفرض أن تتحول الأبنية التراثية من مجرد معالم ثقافية جامدة قابلة للتاكل والاندثار ، إلى أدوات تنموية معاصرة تتمتع بالاهلية والثبات والاستدامة
إذا فالمقصود من وراء اعتماد وتطبيق مفهوم "التكييف الوظيفي" ليس مسعى أو توجه أو محاولة لطمس أو نزع او انتهاك لركائز الهوية العريقة التي تتحلى بها الأبنية التراثية في مدينة السلط ، بل هو إعادة إحياء وتجديد لتلك الهوية المتجذرة ، عبر الاستخدامات الوظيفية المعاصرة التي ستمكن من رفع مستوى اقتناع مختلف المكونات المجتمعية بجدواها ، وستسهل من إعادة اجتذابهم لقصبة المدينة
ومن هنا يتبادر لأذهاننا السؤال الحاسم الذي يستحق الاجابة : هل يعقل أن تبقى الأبنية التراثية التي تحتل مواقع مادية وأبعاد معنوية مهمة في السردية السلطية ، مقتصرة على وظائف واستخدامات لا تتفق مع التحولات المعاصرة وضغوط التغيير ، ولا تنسجم مع المتطلبات التي تمكن من تلبية الاحتياجات الراهنة للمجتمع ؟