يشير تقرير التنمية العربية 2025، الصادر عن المعهد العربي للتخطيط بالكويت ومعهد التخطيط القومي بالقاهرة، إلى أن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أصبحا من القوى المؤثرة في مستقبل أسواق العمل العربية، حيث إنه، مع توسع التقنيات الذكية في مختلف القطاعات وبوتيرة متسارعة، ظهرت مخاوف جديدة بشأن فقدان الوظائف، وهي نابعة من قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة مجموعة كبيرة من المهام، وقدرته على التأثير على كافة القطاعات الاقتصادية.

نظرياً، يتحدد تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل والاقتصاد ككل بحسب نوع التقنيات المستخدمة، وبحسب ظروف السوق والسياسات المعتمدة. كما يرتبط هذا التأثير، إلى حدٍّ كبير، بمستوى الجاهزية الرقمية وتوافر المهارات في كل دولة. حيث إن الاقتصاد الرقمي يتطلب مهارات جديدة تتجاوز القدرات التقليدية، وتشمل التفكير التحليلي، وحل المشكلات، والمهارات التقنية، والقدرة على التكيف مع متغيرات سوق العمل. ويرجّح التقرير أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الأتمتة في الدول العربية إلى تراجع بعض المهن الروتينية والإدارية، مقابل نشوء وظائف جديدة في مجالات تحليل البيانات، والأمن السيبراني، والبرمجة، وإدارة الأنظمة الرقمية. ويشدد على أن الفجوة المهارية تمثل الخطر الأكبر؛ إذ يحتاج الشباب العربي إلى مهارات تحليلية ورقمية متطورة لمواكبة التحول الجاري.

وحسب التقرير، تتقدم دول الخليج في تبني التكنولوجيا المتقدمة على باقي الدول العربية، بينما تواجه دول أخرى تحديات تتعلق بالبنية التحتية، وضعف منظومات الابتكار، وغياب التشريعات التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي. ويقدم التقرير مجموعة من السياسات المقترحة في مجال الذكاء الاصطناعي وتأثيره على أسواق العمل، أبرزها: إصلاح أنظمة التعليم والتدريب، وتعزيز الحوكمة الرقمية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير برامج حماية للعاملين الأكثر تعرضاً لفقدان وظائفهم.

فيما يتعلق بالأردن، فمن المتوقع أن يؤدي تزايد التعرض للذكاء الاصطناعي، مع مرور الوقت، إلى إحداث تحول كبير في سوق العمل؛ وبالتالي فإن التأثير الصافي على التوظيف سيعتمد على درجة انتشار واستيعاب والتكيف مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد برز دور الأردن في «تقرير التنمية العربية 2025» كنموذج رائد في المنطقة، بعد تحقيقه قفزة نوعية في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي ليصل إلى المرتبة 49 عالمياً والخامس عربيا. غير أن هذا التقدم التقني يواجه تحديات هيكلية في سوق العمل؛ حيث ترتفع مخاطر الإحلال الرقمي، لاسيما بين النساء، مع استمرار أزمة البطالة بين الجامعيين التي بلغت 27.5%. ويؤكد التقرير أن استثمار الأردن في التحول الرقمي يتطلب بالضرورة مواءمة المخرجات التعليمية مع المهارات التقنية الجديدة، وتعزيز أطر «الذكاء الاصطناعي المسؤول» لضمان تحويل هذه الجاهزية الرقمية العالية إلى فرص عمل مستدامة، وحماية العمالة من مخاطر التهميش التقني.