facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن… حراك يومي وحياة اجتماعية لا تهدأ


د. حسين سالم السرحان
29-12-2025 01:58 PM

يتميّز الأردن بحيويةٍ مجتمعيةٍ لافتة؛ فلا تكاد تخلو أيامه من حدث، ولا تمر أسابيعه دون مناسبة، في مشهد إنساني متواصل يعكس طبيعة مجتمع حيّ، متماسك، ومتشابك العلاقات. فالحياة اليومية في الأردن ليست رتيبة ولا معزولة، بل هي سلسلة متدفقة من الأفراح، لا تخلو من الأحزان، تُشكّل مختبرًا تُختبر فيه القيم الاجتماعية بأبهى صورها.

في المجتمع الأردني، تتجاور المناسبات السعيدة جنبًا إلى جنب مع التحديات الإنسانية، وكأن الناس تعلّموا أن يعيشوا الحياة بكل وجوهها، وأن يتقاسموا الفرح كما يتقاسمون الحزن، دون تكلّف أو تمييز.

تبدأ الأفراح من حصول الأبناء والبنات على المؤهلات العلمية في مختلف المراحل والتخصصات، حيث تتحوّل حفلات التخريج إلى أعياد عائلية واجتماعية، تُرفع فيها رايات الفخر، وتُتبادل فيها التهاني، وكأن الإنجاز فردي وجماعي في آنٍ واحد. ثم تتواصل هذه الأفراح مع النجاحات المهنية، والترقيات الوظيفية، والإنجازات العملية، التي لا تبقى حبيسة أصحابها، بل تمتد لتشمل الأسرة، والأصدقاء، والجيران، وزملاء العمل.

ولا تكتمل لوحة الحياة الاجتماعية الأردنية دون حفلات الزواج والخِطوبة، تلك المناسبات التي لا تزال — رغم تغيّر الأزمنة — تحافظ على جوهرها القائم على المشاركة الجماعية، والفرح المشترك، والتكافل في التحضير والاحتفال. كما تُشكّل الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية محطاتٍ جامعة، تُعيد التأكيد على وحدة المجتمع وتنوّعه، وتمنح الناس فرصة متجددة للالتقاء، والتراحم، وتعزيز الشعور بالانتماء.

لكن المجتمع الأردني، كغيره من المجتمعات، لا يخلو من المناسبات الحزينة، وأكثرها شيوعًا الوفاة، وحوادث السير، والأمراض المفاجئة. غير أن ما يميّز الأردن في هذه اللحظات العصيبة هو ذلك الحضور الإنساني الكثيف، حيث تتجلّى قيم التكافل والتضامن بأوضح صورها؛ في العزاء، والوقوف إلى جانب أهل المصاب، وتقاسم الألم كما لو كان وجعًا واحدًا.

في هذه اللحظات، لا يُترك الفرد وحيدًا، ولا تُختصر المواساة بالكلمات، بل تتحوّل إلى فعلٍ اجتماعيّ حيّ، يخفّف الثقل، ويُعيد التوازن، ويؤكّد أن الروابط بين الناس أعمق من المصالح العابرة.

وقد سعدتُ شخصيًا، خلال إجازتي القصيرة، بقضاء وقتٍ ثمين في هذا الحراك الاجتماعي الغني، وشاركتُ الأحبّة في جمعية الحوار الديمقراطي الوطني في العديد من هذه المناسبات، السعيدة منها، وكان أبرزها تكريم الشاعر العربي العراقي الكبير حميد سعيد في المركز الثقافي الملكي، في حفلٍ بهيج، وبمشاركة الأهل في أعياد الميلاد المجيدة، وكذلك تخرّج ابن أخي الدكتور عبدالإله عبدالله الريحان بحصوله على شهادة الدكتوراه. فكانت تجربة مكثّفة أعادت إلى نفسي شعورًا عميقًا بالرضا، والسعادة، والفخر.

فخرٌ بوطنٍ ما زال الإنسان فيه قيمةً مركزية، وبمجتمعٍ لم تفقده التحديات قدرته على الفرح، ولم تُنهكه الأزمات عن أداء واجبه في التضامن.

إن الأردن، في تفاصيل حياته اليومية، يقدّم نموذجًا اجتماعيًا يستحق التقدير؛ نموذجًا لا يُقاس فقط بالمؤشرات الاقتصادية أو السياسية، بل يُقاس بقدرة الناس على أن يكونوا معًا في كل الأحوال، وأن يُحوّلوا المجتمع إلى شبكة أمانٍ إنساني، تحفظ التوازن، وتمنح الحياة معناها الأعمق.

غادرتُ عمّان اليوم، ولم يغادرني وطني؛ إذ سيبقى حاضرًا مدى العمر في تفاصيل الحياة، شوقًا وانتماءً.
حمى الله الأردن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :