facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التنمية التي تسرق الغد: حين يغيب الوعي ويموت السؤال


أ. د. هاني الضمور
30-12-2025 09:46 AM

ليس الخطر في الجفاف فقط، ولا في ارتفاع درجات الحرارة، ولا في تراجع الغطاء النباتي، رغم فداحة كل ذلك. الخطر الأكبر هو أننا لا نبدو قلقين. نحن نعيش كارثة بيئية متراكمة، لكنها لا تُحدث صدمة، ولا تولّد أسئلة، ولا تحرك جموعًا. ما يُقلق اليوم حقًا هو غياب الوعي الجمعي بما يحدث، وتقبّل الشارع لتحولات تُفرغ الأرض من قيمتها، والبيئة من دورها، والمستقبل من ملامحه.

في كل زاوية من هذا الوطن، تصرخ الأرض بلغة واضحة: شحّ في المياه، زحف عمراني على حساب الأراضي الزراعية، حرائق تُنهك الغابات النادرة، تغيرات مناخية لم تعد موسمية بل أصبحت مزاجًا جديدًا للسماء. لكن لا أحد يبدو منشغلاً بما بعد ذلك. كل الأنظار متجهة إلى ما يُسمّى “فرصًا اقتصادية” و”مشاريع تنموية” و”استثمارات وطنية”، وكأن الحياة لا تنمو إلا من بين الإسمنت.

في ظل هذه التحولات، لا يكفي أن نوجه النقد للسياسات وحدها، بل يجب أن نسأل: أين المجتمع من كل هذا؟ كيف غاب الخطر البيئي عن أولويات الناس؟ لماذا لا تُقرأ النشرات الجوية كبيانات أمن قومي؟ ولماذا لا تشكّل الأرض المحترقة قضية رأي عام؟ حين تغيب الأسئلة، تتوحش الأجوبة الجاهزة، وتتسرب القرارات الكبرى بلا مقاومة.

في قلب هذا الغياب، يقف الإعلام حائرًا أو خاضعًا أو منشغلاً بسواه. لا يتعامل الإعلام البيئي في كثير من الأحيان باعتباره مسؤولية، بل كتقرير ثانوي على الهامش، بين خبر اقتصادي وآخر سياسي. التقارير البيئية تُقدّم بلغة ناعمة، وكأنها مادة توعوية، لا قنبلة زمنية. لا برامج تحقيقية تسائل مشاريع الإعمار في قلب الأراضي الزراعية، لا مساءلات حقيقية لتدمير الغابات، لا صوت يعري التناقض بين لغة النمو ولغة البقاء.

وحين يعلو صوت الصحافة، فإنها في الغالب تتحدث عن البيئة كما لو كانت مشهدًا طبيعيًا مهددًا، لا نظامًا حياتيًا تنهار أركانه. الإعلام لا ينقل ما يحدث على الأرض، بقدر ما ينقل صورة مجمّلة لما يُراد له أن يكون. لكن البيئة لا تُجمّل. إما أن تُحمى، أو تُفقد.

أما الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، التي يُفترض بها أن تكون منصات للعقل النقدي والبحث المعمق، فقد تم إقصاؤها تدريجيًا عن دوائر التأثير. رغم ما تزخر به من كفاءات وأبحاث ومختبرات وخرائط تنذر بالخطر، إلا أن هذه المعرفة محاصرة داخل القاعات. لا يصل صوتها إلى طاولة القرار، ولا تُستشار في المشاريع المصيرية، ولا تُدرّس لطلابها بوصف البيئة قضية وجود، لا فصلًا من فصول الجغرافيا.

البيئة لم تعد ملفًا يمكن فصله عن التعليم أو الإعلام أو الاقتصاد. إنها أساس لكل هذه المسارات. وكل صمت عنها هو تراكم لثمن سيدفعه الأبرياء بعدنا. حين تُبنى المدن على حساب الغابات، وحين تُباع الأراضي الخصبة تحت مسمى الاستثمار، وحين تُحرق الأشجار ولا يُسأل أحد، فإننا نُسلّم المستقبل لفراغ لا يمكن ملؤه لاحقًا لا بالندم ولا بالأموال.

المعادلة واضحة: إما أن نُعيد البيئة إلى مركز الفعل الوطني، وإما أن نواصل كتابة قصتنا على أرض تنفد. لا خيار ثالث. ما يُزرع اليوم في وعي المجتمع سيُحصد في شكل أزمات غذائية ومائية وأخلاقية في العقود القادمة. وإن لم نربِّ أجيالًا ترى في الطبيعة كرامتها، فلن يكون لديهم ما يدافعون عنه لاحقًا، سوى الخراب.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :