facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وسط الضجيج الإقليمي .. الاستثمار ينتقي مكانه


د.غازي عبدالمجيد الرقيبات
30-12-2025 09:41 PM

في قراءةٍ تحليليةٍ تتجاوز حدود الأرقام الجامدة، يمكن النظر إلى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة الأردنية الهاشمية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 بوصفها مؤشّر نبضٍ اقتصادي عاد لينتظم بعد فترة من الاضطراب الإقليمي، وكأنّ رأس المال، قد أعاد اكتشاف بوصلته نحو عمّان باعتبارها ملاذًا نسبيًا للاستقرار المؤسسي والتشريعي، لقد شكّل تسجيل تدفقات بقيمة 1.525 مليار دولار، بنموٍ لافت بلغ 27.7% مقارنة بعام 2024، أكثر من مجرد تحسّنٍ دوري؛ إذ يعكس هذا الارتفاع انتقال الاقتصاد الأردني من مرحلة الصمود الدفاعي إلى مرحلة التكيّف الإيجابي مع المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، فالمستثمر، شأنه شأن جهاز إنذار مبكر، لا يستجيب للشعارات بل للإشارات الصلبة: " استقرار سياسي ومالي، سياسة نقدية حذرة، وإطار قانوني قابل للتنبؤ".

وتتبدّى دلالات الثقة بصورة أوضح عند تفكيك البنية الجغرافية لهذه التدفقات؛ إذ تصدّرت الاستثمارات العربية بنسبة 62%، في مشهدٍ يعكس عمق الترابط الاقتصادي العربي، ويؤكد أن رأس المال الخليجي تحديدًا ما زال ينظر إلى الأردن كـ امتداد استثماري آمن في محيطٍ إقليمي شديد التقلّب، وتأتي المملكة العربية السعودية في الصدارة بنسبة 18.8%، بما يشبه “قاطرة الثقة”، تليها الكويت والإمارات، فيما يشكّل الحضور العراقي بنسبة 11.5% مؤشرًا على تزايد التشابك الاقتصادي بين اقتصادين يتقاسمان الجغرافيا والمصالح والأسواق.

أما على المستوى الدولي، فإن مساهمة أوروبا بنسبة 13.6%، بما فيها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، تمنح هذه التدفقات بعدًا نوعيًا لا كميًا فحسب، إذ تعكس اهتمامًا باستثمارات طويلة الأجل تتطلب حوكمة عالية ومعايير امتثال صارمة، كما أن الحضور الأمريكي والآسيوي، وإن بدا متواضعًا نسبيًا (3.1% و2.3% على التوالي)، إلا أنه يظل ذا دلالة استراتيجية، خاصة في ظل المنافسة العالمية المحمومة على اجتذاب رؤوس الأموال.

وعند الانتقال إلى التوزيع القطاعي، تتجلى صورة الاقتصاد الأردني كاقتصادٍ خدمي مالي بامتياز؛ إذ استحوذ قطاع المالية والتأمين على 34.4% من إجمالي التدفقات، في دلالة واضحة على الثقة بالبنية المصرفية والرقابية، وبالسياسات النقدية المتحفظة التي يتبعها البنك المركزي، بينما جاءت الصناعات التحويلية بنسبة 10.7% لتشير إلى إمكانات غير مستغلة بالكامل بعد، لكنها تحمل في طياتها فرصة استراتيجية للتحول من اقتصاد الاستيراد إلى اقتصاد القيمة المضافة، أما قطاعات النقل والعقارات والتعدين، فهي تشبه الأوعية المساندة التي تستقبل آثار النمو وتعيد توزيعها على بقية مفاصل الاقتصاد.

وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال استثمارات الأفراد غير الأردنيين في قطاع الأراضي والعقارات، والتي بلغت 202.8 مليون دولار (13.3%)، بما يعكس استمرار جاذبية السوق العقاري الأردني كخزانٍ آمن للقيمة، وكمؤشر على الثقة طويلة الأجل بالاستقرار الاجتماعي والملكية القانونية.

خلاصة القول، إن هذه التدفقات ليست مجرد أرقام في ميزان المدفوعات، بل هي لغة صامتة يتحدث بها المستثمرون، مفادها أن الأردن، رغم محدودية موارده الطبيعية، ينجح تدريجيًا في تعويض ذلك برأسمال مؤسسي، وتشريعي، وبشري، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا الزخم من كمٍّ مالي إلى أثرٍ تنموي، عبر توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، وتعميق الروابط الخلفية والأمامية للاقتصاد، حتى لا يبقى الاستثمار الأجنبي شاهدًا على التعافي فحسب، بل شريكًا فعليًا في بناء نموٍّ مستدام ومتوازن.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :