facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وهم الفرار الجماعي في المجتمع الإسرائيلي


عبادة الوردات
31-12-2025 12:35 AM

في كل مواجهة تخوضها إسرائيل في المنطقة، تتكرر رواية عربية مألوفة مفادها أن "الإسرائيليين سيغادرون يوماً ما لأن لديهم جنسيات أجنبية". هذه الفكرة، التي تبدو للوهلة الأولى منطقية، تحولت مع مرور الزمن إلى فرضية نفسية مريحة أكثر منها قراءة واقعية، خصوصاً بعد أن تبناها بعض الكتّاب والمحللين العرب الذين يفتقرون إلى أدوات التحليل العلمي الرصين، فغدت أشبه بآلية تعزية جماعية تعكس الأمل الانهزامي أكثر مما تعكس الواقع.

على المستوى السطحي، قد يبدو هذا التصور مقنعاً: لماذا يبقى شخص في بلد غير آمن بينما يستطيع ببساطة الذهاب إلى دولة أخرى يحمل جنسيتها؟ لكن هذه النظرة البسيطة تتجاهل الوقائع الصلبة، وتستبدل التحليل بالمشاعر، وتغفل عن أن المجتمعات لا تُدار بالانفعالات وإنما بالبنى العميقة التي تشكّلها.

الحقائق والأرقام

الواقع لا يُكتب بالتمنيات بل بالوقائع والإحصاءات. تشير تقديرات متعددة إلى أن نسبة الإسرائيليين الذين يملكون جنسية ثانية لا تتجاوز 20% في أحسن الأحوال، ما يعني أن الغالبية الساحقة – أكثر من أربعة أخماس المجتمع – لا يملكون سوى الجنسية الإسرائيلية. أي أن فكرة "باب الخروج الاحتياطي" التي يروّج لها البعض ليست سوى وهم نفسي أكثر منها حقيقة اجتماعية.

من ناحية أخرى، ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، عاشت الدولة في حالة صراع مستمر مع محيطها العربي، ثم مع لبنان وغزة، واليوم ضمن إطار مواجهة أوسع مع قوى إقليمية. ومع ذلك، لم يشهد المجتمع الإسرائيلي موجات هروب جماعي. بل على العكس، السنوات الأخيرة شهدت هجرة عكسية من يهود أوروبا إلى إسرائيل نتيجة شعورهم بانعدام الأمان في المجتمعات الغربية، ما جعل إسرائيل بالنسبة لهم ملاذاً نهائياً لا خياراً مؤقتاً.

حتى لو سلّمنا جدلاً أن غالبية الإسرائيليين يمتلكون جنسية ثانية وأن أبواب الرحيل مفتوحة أمامهم في أي لحظة، فإن هذا الافتراض وحده لا يكفي لبناء سيناريو الانهيار. فالمجتمع الإسرائيلي ليس مجرد أفراد متناثرين، بل هو شبكة متماسكة من المستوطنين، ورؤوس الأموال، والمؤسسات، والنخب الثقافية، التي تجعل خيار المغادرة أكثر تعقيداً مما يتصوره الخطاب العاطفي، خصوصاً للمستوطنين دوناً عن النخب الثقافية و رؤوس الاموال حيث ان المستوطنين هم النسبة الاكبر في هذا المجتمع.

العوامل البنيوية التي تمنع الانهيار

وجود خيار المغادرة لا يعني بالضرورة اتخاذه. فالمجتمعات لا تنهار بهذه السذاجة، ولا تُدار بالعواطف وحدها. هناك عوامل بنيوية عميقة – نفسية، ثقافية، ومؤسساتية – تجعل المجتمع الإسرائيلي عصياً على التفكك السريع، ويمكن تلخيصها في خمسة محاور رئيسية:

البعد الوجودي: المواطن الإسرائيلي، سواء كان متديناً أو علمانياً، ينظر إلى الدولة باعتبارها نهاية زمن الشتات، وبوصفها المكان الوحيد الذي لا يغلق بابه عليه. فكرة البقاء في إسرائيل مرتبطة بمعنى وجودي عميق، وليست مجرد معادلة مصلحية.

القوة الاقتصادية: إسرائيل ليست مجرد رمز سياسي؛ إنها دولة تمتلك اقتصاداً متماسكاً، وفرصاً واقعية، ومستوى معيشة منافساً لكثير من الدول الغربية. عندما تكون البيئة المحلية قادرة على توفير الأمن النسبي والفرص الاقتصادية، يقل منطق الهجرة مهما كانت الظروف الأمنية صعبة.

البعد النفسي والذاكرة التاريخية: اليهودي الذي يحمل جنسية أوروبية يعلم جيداً أنه سيظل "آخر" في نظر جزء كبير من المجتمع هناك. والذاكرة الجماعية المرتبطة بالنازية تجعل إسرائيل بالنسبة لهم الملاذ النهائي، لا مجرد محطة مؤقتة.

شبكة الهوية والانتماء: الانتماء للوطن لا يُدار بمنطق رياضي. البشر لا يتركون البلاد لأن الخطر ارتفع درجة، ولا يعودون لأن المؤشرات تحسنت. الوطن شبكة معقدة من العلاقات والذكريات والهوية. وهذا ينطبق على الإسرائيليين كما انطبق سابقاً على مجتمعات عربية بقيت رغم الحروب والإرهاب.

التعبئة الأمنية والعسكرية: المجتمع الإسرائيلي معبأ أمنياً وعسكرياً منذ الطفولة. هذه التربية تصنع ذهنية جماعية ترى المواجهة جزءاً طبيعياً من الوجود، وهكذا يتشكل مجتمع مستعد لتحمل الكلفة، بل ويعتبرها جزءاً من هويته الوطنية.

لنقرأ بعيداً عن الأوهام

قد يبدو هذا الكلام صادماً للبعض، لأنه لا ينسجم مع الخطاب العاطفي السائد الذي اعتدنا عليه؛ ذلك الخطاب الذي يستبدل الفهم الواقعي بالتعلق بوهم مريح. لكن الحقيقة أن أي رهان على هروب جماعي للإسرائيليين ليس تحليلاً سياسياً رزيناً، بل آلية نفسية صنعتها خيبة طويلة وروّج لها بعض الكتّاب، ثم استقرت في الوعي العربي كحقيقة مفترضة.

الخلاصة التي يجب أن نعيها هي أن إسرائيل ليست دولة كرتونية تنهار عند أول اختبار، بل كيان متماسك على المستويات الاجتماعية والنفسية والمؤسسية. ومن هنا، فإن أي قراءة مسؤولة وجادة للصراع يجب أن تتعامل مع إسرائيل كواقع صلب، لا كخيال مريح.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :