التضامن الإنساني ليس بخير (2-2)
سارة طالب السهيل
01-01-2026 12:48 AM
أكدت الأديان السماوية على أهمية تحقيق التضامن والتكافل الإنساني. ففي الإسلام، نجد الحثّ القوي على التعاون كما في قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وفي الحديث النبوي الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى". وفي المسيحية، نجد المبدأ الإنساني العظيم في مثَل السامري الصالح، الذي جعل من مساعدة الغريب والمنكوب - بغض النظر عن دينه أو عرقه - قدوة أخلاقية خالدة. فالتعاون بين أفراد المجتمع من أجل تحسين المعيشة وتحقيق العدالة دون تمييز بين عرق أو لون أو جنس أو عقيدة هو أساس متين في جميع الشرائع. فالتضامن يبنى على التكافل الاجتماعي الذي يشمل كافة مناحي الحياة، بل إنه من أساس الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وهذا الحب مرهون بإيمان الإنسان بالعدالة بين الناس وحقهم المشترك في حياة كريمة دون تمييز، مصداقاً لقول رسول الله: "الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".وكما دعت الأديان السماوية لقيمة التضامن فإن الإنسانية المعاصرة قد اهتدت لهذه القيمة مثل إقرارها من جانب الأمم المتحدة. وفي هذا اليوم يجب أن نحيي خلق التضامن ونكرس لرحمة الإنسان بأخيه الإنسان، والشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه المستضعفين في كل مكان بالعالم متجاوزين بذلك كل الحدود الجغرافية المصطنعة للدول، والتعاون معاً لمساعدة المحتاجين وتخفيف معاناتهم في كل مكان بالعالم.
أتمنى أن يكون العشرون من ديسمبر من كل عام ، فرصة لإيقاظ ضمير الإنسانية كلها، لتقديم مساعدات عاجلة وناجزة لإخواننا في السودان الذي يتعرضون لإبادة جماعية ، والضغط على المجتمع الدولي لإيقاف نزيف دمائهم الطاهر، ووقف الاقتتال ، وسرعة إمداد من فر من السكان إلى المناطق المهجورة في الجبال والصحاري بالغذاء والماء والدواء والأغطية.
ينسحب هذا الأمل على إخواننا في غزة، خاصة بعد أن أغرقت السيول والأمطار خيامهم وحولت أرض هذه الخيام إلى مستنقعات مائية تسببت في موت الكثير منهم، لنهب جميعاً حكومات وشعوباً لنجدتهم وسرعة توصيل خيام جديدة وأغطية وطعام ومؤن لتدفئتهم، هم وكل من تعرضوا لكوارث طبيعية من زلازل وأعاصير.
بل إنه يمكننا استثمار هذا اليوم المبارك في تحقيق العدالة الاجتماعية بدعم تعليم الفقراء والمعوقين جسدياً وعقلياً، ومساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة في شراء احتياجاتهم اليومية وتوفير العلاج اللازم لهم.
لا شك أن أوجه تحقيق التضامن الإنساني والتعاون له أوجه كثيرة ويمكن تحقيقها على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات والدول. حيث يمكن لمنظمات العمل الأهلي جمع التبرعات من أموال وأدوية وأغطية وإرسالها للمتضررين من الكوارث الطبيعية، وتشجيع الميسورين في العالم على إيجاد أماكن لإيواء المتضررين والمشردين من الكوارث الطبيعية كالفيضانات وتوزيع الغذاء عليهم وتوفير فرص عمل للناجين، بجانب إعانة الملاجئ والمحتاجين في مناطق الصراع والنزاعات.
وعلى الصعيد الدولي يمكن التعاون في إرسال فرق الإنقاذ والمساعدة للدول المنكوبة، وجمع التبرعات لعلاج الأمراض الخطرة مثل السرطان والملاريا والإيدز.
ويظل الإعلام عنصراً فاعلاً في نشر الوعي بهذا اليوم من خلال تذكير الحكومات بالالتزامات والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن لتحقيق العدالة الاجتماعية وتبني قضايا الفقراء والمعوزين والانتصار لحقهم الإنساني في المساواة في حياة كريمة.
في هذا اليوم، وفي كل يوم، ليس التضامن خياراً أخلاقياً فحسب، بل هو ضرورة وجودية لإنسانيتنا المشتركة. إنه الجسر الذي يجب أن نبنيه فوق هوة الأنانية والصراع. لنقتد بالحكمة الإسلامية والقيم السماوية والإنسانية جميعها، ولكن لنذهب بها خطوة أبعد: من القلب إلى العقل، ومن العاطفة إلى الاستراتيجية، ومن العطاء الفردي إلى العدالة الهيكلية. لنطالب، ونعمل، و نبني معاً. فلنكن ذلك الجسد الواحد الذي وصفه النبي الكريم، لا في الألم فحسب، بل وفي الفعل والبناء والخلاص. بهذا نستحق اسم "الإنسان"، وبهذا يصبح التضامن الإنساني قوة دافعة لا تقهر نحو عالم لا يترك فيه أحد خلف الركب.
"الرأي"