يعيش الأردن حالياً مرحلة مفصلية مهمة من تاريخه تتطلب التعامل معها بمنتهى الوعي والإدراك والانتماء من قبل المسئول والمواطن على حد سواء للوصول الى بر الأمان وصنع مستقبل واعد للمواطن الاردني، يتطلب ذلك تضافر الجهود وتوحيدها وانسجام الإرادة الشعبية بما فيها المعارضة مع السياسة الداخلية والخارجية للدولة، ويكون اساس هذا الانسجام الاتفاق على مصلحة الاردن أولاً في الاطار العربي والاسلامي وضمن الثوابت والقيم الاردنية النبيلة التي اساسها الوقوف لجانب الحق ونصرة القضايا العربية العادلة.
ولعل مفاوضات انضمام الاردن لمجلس التعاون الخليجي التي كانت نقطة انطلاقها يوم الاحد الماضي في جدة بالسعودية على رأس اولويات واهتمام الاردن والتي ستتحدد خلالها معالم الطريق التي تسير عليها الدولة نحو منظومة وحدوية ناجحة ضمن صيغة تشاركية وعمل عربي مشترك تعود الفائدة من خلالها على الجميع تتركز في وحدة الكلمة والارادة العربية في مواجهة المخططات الاقليمية والدولية التي تسعى لتغيير معالم المنطقة وفق المصالح والمخططات غير العربية، هذه المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية ناصر جودة وفريقنا المفاوض مع نظرائهم في دول مجلس التعاون نعول عليها الكثير بإعادة توزيع وانسياب الطاقات البشرية والامكانات والثروات المادية بين دول المجلس والاردن، نركز من خلالها في الاردن على مساعدة اشقائنا في تنفيذ مشاريعنا الحيوية والاستراتيجية المتعلقة بالمياه والطاقة والاستفادة من ثرواتنا الطبيعية التي بحاجة الى عشرات المليارات الدولارات لتنفيذها سيما مشاريع الطاقة المتجددة واليورانيوم والصخر الزيتي ومشروع ناقل البحرين والمشاريع السياحية والزراعية والصناعية والاستثمارية الكبرى.
في مفاوضات جدة الجادة كانت الامور مبشرة بالخير فتم رسم خارطة الطريق لانضمام الاردن تدريجياً من خلال خطة تنموية تأهيلية تمتد لخمسة سنوات سيتم خلالها دعم الاقتصاد الاردني حسب الحاجة وليس كما اوردت بعض المعلومات غير الدقيقة بتثبيت مليارين سنوياً على مدار الخمس سنوات دعماً للاردن للتغلب على عجز الموازنة والتخلص من المديونية الكبيرة، والعمل جاري لتشكيل فرق ولجان فرعية في مختلف الملفات والمشاريع المشتركة لتذليل كافة العقبات تمهيداً لانضمام الاردن ربما قبل انتهاء مدة الخمس سنوات.
حساسية المرحلة ومفصليتها بالنسبة للاردن تندرج ايضاً على ما يجري على الساحة الفلسطينية في ضوء انسداد أفق الحل السلمي واحراج كافة الدول العربية المعتدلة والمحبة للسلام التي أصرت على تنفيذ قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية نتيجة السياسات الاحادية العنصرية والمتعنتة للحكومة الاسرائيلية وعقليتها المتصلبة في فرض شروطها واملاءاتها والتضييق على الفلسطينيين وتهجيرهم ولاءاتها المتعلقة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وانكارها لحقوق اللاجئين بالعودة والتعويض وطرح مشاريع واهية عنصرية تتعلق بالوطن البديل الامر الذي فقدت معه عملية السلام شريكاً غير صادق في نواياه وتوجهاته وفي إعادة الحقوق لاصحابها، لذلك كانت الامانة والواجب الاخوي يحتم على الاردن وكافة الاشقاء العرب بدعم الارادة الفلسطينية والوقوف لجانبهم من خلال توحيد الكلمة العربية في استحقاق سبتمبر الاسبوع القادم للحصول على اعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية على حدود الـ67 رغم المواجهة الدولية والاعتراض الامريكي وعدد من الدول الاوروبية المهمة التي يقف خلف اعتراضها الخبث الاسرائيلي، ومما لا شك فيه بأنه سيكون لهذه المواجهة السياسية تبعات خطيرة ومباشرة على الساحة الفلسطينية وكافة الملفات المتعلقة بالدولة وحقوق اللاجئين في الخارج سيما في الاردن التي تستضيف اكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين.
على الصعيد ذاته فان ما يحدث على الساحة السورية من زعزعة للامن والاستقرار وجرائم واحداث دامية يشكل مصدر قلق وانزعاج بالغ للاردنيين في وجهه الاخوي والانساني تجاه الشعب السوري الشقيق، فقد غاب عن هذا البلد العربي الجار ثقافة التسامح والحوار وسفكت الدماء بوحشية وغير وجه حق، اصبحنا نضع اولوية لهذا البلد باستتباب الامن والامان حتى يتم وقف شلالات الدم ثم حصول المواطن السوري على حريته وكرامته المنشودة، وان كان هدفنا السامي بعودة سوريا البلد العربي الكبير بانسانه وامكاناته الى الحاضنة العربية لتقود كتلة عربية قوية في بلاد الشام على غرار الكتلة العربية الخليجية، بحيث يتم في النهاية تكامل الطاقات والامكانات البشرية والطبيعية مع دول الجوار لبنان وفلسطين والاردن بشكلها الصحيح وليس لما هي عليها الآن من ضعف في التعاون لدرجة الاعتداء على حقوق الاردن المائية والطبيعية، فضلاً عن عدم الانسجام السياسي بسبب سيطرة وتغول الطرف الايراني على توجهات وعلاقات سوريا، ادى ذلك الى سقوط سوريا الدولة في وهم كبير وأوهمت غيرها بأنها تقود دول المقاومة وأطراف الممانعة تعطلت من خلالها قوة الدولة السورية فلم تحرك ساكناً ولم تخدم من خلالها القضايا العربية المركزية تبين في النهاية بأنها تقاوم حقوق وارادة شعبها وتنتهج سياسة دولية بعيدة عن الوفاق العربي شكلت عبئاً وعائقاً على توحيد الكلمة العربية.
حقاً انها مرحلة مفصلية على ضوء ما يجري في البلدان العربية الأخرى سواء في ليبيا ومصر واليمن وتونس والبحرين وعُمان وغيرها من تغيير على أنظمة الحكم وعدم استقرار ووضوح الرؤية، جعلنا نضع أيادينا على قلوبنا، نتساءل ماذا سيجري على مستقبلنا العربي؟ نطالب في ذات اشقائنا العرب بضبط النفس واعلاء قيم الولاء والانتماء للوطن اولاً ومستقبل الاجيال العربية والاسراع بتشكيل مؤسسات الحكم الدستورية والحاكمة على أسس سليمة، يتم من خلالها معالجة أخطاء الماضي التي كانت سبباً في التخلف والسبات العربي عبر العقود المنصرمة.
وهاهو الاردن يقوم بدوره الوطني والعربي تجاه الاشقاء في ليبيا والعراق وكافة الدول العربية من خلال اعادة البناء والاعمار وتثبيت الامن والامان، والتنسيق مع الاشقاء في مصر ودول الخليج العربي فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والقضايا العربية المصيرية.
داخلياً، ننتظر اقرار التعديلات الدستورية وقوانين الانتخابات والاحزاب والحريات العامة والقوانين الاقتصادية التي جاءت في مجملها ملبيةً لغالبية الطموحات الشعبية كما اكد على ذلك استطلاع الرأي الاخير(74% من الاردنيين راضين عن التعديلات الدستورية)، حتى يتسنى لنا بدء قطف ثمار ربيعنا الاردني باجراء الانتخابات البلدية على اسس سليمة ونزيهة قبل نهاية العام الجاري كما حدد ذلك جلالة الملك وبدخول العام القادم بعزيمة وتوافق نسعى لمشاركة قوى المعارضة الرشيدة في الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة برلمانية كما دعا جلالة الملك لذلك عبر لقاءاته مع مختلف القوى السياسية والحزبية وخطاباته التي وجهها مؤخراً للشعب الاردني.
الاردن اليوم كما هو بالامس قلعة صمود في وجه كل المتربصين من الداخل والخارج وواحة أمن وأمان ومحط اهتمام وتقدير واعجاب عربي ودولي، وهو مقصد وملتقى المسؤولين العرب والدوليين لأخذ الحكمة والمشورة والرأي السديد تجاه ما يجري على الصعيد الاقليمي والدولي، والاردن يؤثر بقوة في صنع القرار الدولي من خلال جهود وتحركات جلالة الملك على كافة الصعد وبالتنسيق مع الاشقاء حفاظاً على المصالح والهوية العربية، نقول في هذه المرحلة مع كل هذه الأوضاع من واجبنا كمواطنين ومسؤولين ان تتظافر جهودنا جميعاً ونلتف خلف القيادة الهاشمية بمزيداً من الدعم والتأييد دفاعاً عن حقوقنا وقضايانا الوطنية والقومية لنكون الرابحين مع اشقائنا العرب في زمن الانحدار والمستنقعات الرديئة الذي نعيشه.

كاتب وباحث اردني
yousefaboalsheeh@hotmail.com