الفنانون أرادوا اعتصامهم لتأمين مطالب معيشية تخص التأمين الصحي والإسكان، ومطلباً بإعادة الشركة الأردنية للإنتاج، ما استدعى تضامن نائب المراقب العام للإخوان المسلمين معهم، علماً بأنه يمثل حركة حرضت مراراً ضد الفن والثقافة.
أعضاء في "الإخوان المسلمين" دعوا إلى إلغاء مهرجان جرش الذي يقدّم الفنان الأردني للجمهور العربي، وشنوا حملة لمنع مشاركة محمود درويش في المهرجان ذاته، وطالبوا بإيقاف مهرجان رقص راقٍ في مدينة العقبة.
ويفتي رموز الحركة لجماهيرهم بحرمة الفن إلاّ إذا كانت مواصفاته تروق لمشايخهم الذين يملأون المكتبات مؤلفات تحمل آراء دينية متشددة في هذا الصدد.
يحق للفنانين تحسين أوضاعهم المعيشية، لكن الناس لن ينسوا صمتهم عقوداً عن حرية الفنون، فهم لم يقدّموا إلاّ اشراقات محدودة حول الهموم الاجتماعية التي يعانيها مواطنوهم، ولم يقدّموا عملاً واحداً أو موقفاً فردياً أو جماعياً ينشد الحرية أيام الأحكام العرفية.
لم يشاهد الأردنيون مسلسلاً تلفزيونياً ينتقد السياسات الاقتصادية التي أضرت بهم، أو يعترض على اتفاقية السلام التي لم تعد الحقوق الأردنية، أو تحتج على تخلف اجتماعي أضر بمصالح الناس وواقعهم.
الأقسى من ذلك، أننا طوال أربعين عاماً وأكثر لم نلحظ اسم بلدة او مدينة في عمل درامي، أو أي إشارة توحي لمشاهديه أن أحداثه وقعت في الأردن، وتواطأ الفنانون مع هذه الحالة ولم ينصبوا خيمة يدعون فيها إلى اعتصام ضد رقابة أضرت بصورتهم بالدرجة الأولى في الأردن وخارجه.
الصمت "المريب" لأهل الفن يتشابه مع سياسات الحركة الإسلامية التي تتضامن معهم اليوم، فالإسلاميون غابوا عن جلسة النواب التي صوّتت على اتفاقية وادي عربة، ولم يوثق التاريخ موقفهم الصريح تحت القبة.
وتنطبق الحال على موقفهم من خصخصة الموارد الحكومية، ونظرتهم للاقتصاد لا تتعدى "كليشهات" مكرورة ضد الفساد.
الحال تختلف حينما تتصل بالحريات الاجتماعية والثقافية، فيتدافع الإسلاميون لتسجيل مواقف تعادي تطوير الثقافة والفنون والسياحة، ربما لأن موقفهم هذا هو الموقف الوحيد الذي يميزهم عن السلطات التي يطالبون باسقاطها أو إصلاحها في الوطن العربي.
أتمنى نجاح اعتصام "الفنانين"، لكن ينبغي التذكير بتوافقهم مع الحركة الإسلامية، ليس في صميم رؤية كل منهما للفن فحسب، إنما برغبتهما المشتركة في بقاء الحال على ما هي عليه ! .

mahmoud1st@hotmail.com


العرب اليوم