facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القــرصــان * ياسر الزعاترة


ياسر زعاتره
25-11-2011 02:20 AM

في واحدة من أجمل الروايات التاريخية، يعيد الكاتب القطري عبدالعزيز آل محمود كتابة حقبة من تاريخ منطقة الخليج على نحو روائي وإبداعي متميز. ففي روايته الأولى التي سمّاها (القرصان) وصدرت حديثا عن مؤسسة “بلومزبري” -مؤسسة قطر للنشر- يفتح آل محمود صفحة بالغة الأهمية والتعقيد من صفحات التاريخ في منطقة ستغدو من أهم منابع الثروة في العالم (النفط والغاز)، بعد أن كانت لها أهميتها الكبيرة أيضا في سياق خطوط التجارة الخاصة بالإمبراطورية البريطانية، والتي تربط الهند التي يحكمها الإنجليز (حيث شركة الهند الشرقية) وبين موانئ العالم في آسيا وافريقيا وصولا إلى أوروبا.

وفي حين يقدم لنا الكاتب تأريخا رائعا لتلك الحقبة معجونا بنكهة السياسة وتحالفاتها وتعقيداتها وتناقضاتها، الأمر الذي يمنح القارئ فكرة بالغة الأهمية عما جرى، وعن الكثير من قضايا التاريخ والجغرافيا والسياسة والاستعمار وسياسته التقليدية في نهب الأطراف لصالح المركز، فإنه لا يفعل ذلك على نحو يجعل من الرواية كتابا في التاريخ، بل يقدمه بحلة روائية مبدعة تشد القارئ وتدفعه دفعا نحو التهام الرواية كما لو كانت وجبة رائعة، أو كما لو كانت قصة رومانسية أو بوليسية يتابع فصولها وصولا إلى التعرف على خاتمتها.

لا شك أنها معالجة التاريخ القديم بروحية روائية من دون تزوير في وقائعه العامة وبعض التفصيلية أحيانا ليست أمرا سهلا بحال، فكيف حين تفعل ذلك على نحو يشد القارئ ويمتعه في آن؟! في هذه الرواية يبدو عبدالعزيز آل محمود كما لو كان يكتب فيلما روائيا أو مسلسلا دراميا. ولست أبالغ إذا قلت إن الرواية تستحق أن تكون مسلسلا دراميا سيشد المشاهدين إذا أحسن إخراجه، ولو كتبت من زاوية نظر غربية لتحولت من دون شك إلى فيلم بإنتاج ضخم.

نقول ذلك لأننا إزاء رواية تستكمل شروطها الدرامية كاملة، فيما لا يبخل الكاتب علينا بوصف حساس ومرهف لسائر التفاصيل الجغرافية والطبيعية والبشرية، وصولا إلى المشاعر الإنسانية في تحولاتها المختلفة، ولكل شخوص الرواية من إنجليز وعرب وهنود وجنسيات أخرى.

في خيطها الدرامي لتتبع وقائع التاريخ في هذه المنطقة الحساسة من العالم مع مطلع القرن التاسع عشر، تبدأ الرواية من تحرك السفينة “إيدين” من ميناء “بلايموث” الإنجليزي في مهمة سرية وحساسة بقيادة القبطان “لوخ” سنعرف فيما بعد أنها مخصصة لملاحقة القرصان الشهير “أرحمة بن جابر” الذي يتحرك في منطقة الخليج مهددا خطوط التجارة الخاصة بالإمبراطورية البريطانية، أقله من وجهة نظر استعمارية، فيما تركز الجهود البريطانية في جانب آخر منها على محاصرة المد الوهابي في الجزيرة العربية، وذلك عبر محاولة استدراج إبراهيم باشا للتحالف معهم بعد إغرائه بهدية ثمينة هي سيف ذهبي مرصع بالجواهر يرسله له الحاكم البريطاني في بومبي، ولتحدث المفاجأة بوقوع السيف في قبضة (ابن جابر) بعد مهاجمته للسفينة البريطانية التي تحمله في عرض البحر.

بعد ذلك تبدأ المشاهد تتحرك تباعا من بومبي في الهند إلى عُمان إلى البحرين إلى الإحساء والدمام في السعودية مرورا بميناء “أبو شهر” الإيراني وعدد من حواضر الخليج مثل قطر ورأس الخيمة وخورفكان، لتتواصل اللعبة التي تكشف لنا مخططات الإمبراطورية البريطانية للسيطرة على هذه المنطقة عبر حروب مع قبائلها وتحالفات مع بعض رموزها وضرب بعضهم ببعض، وصولا إلى إخضاع الجميع وإقناعهم باستخراج النفط الذي تزخر به أرضهم ومياههم.

مع حكاية القرصان “أرحمة بن جابر”، ومطاردته من قبل البريطانيين ومطاردته لهم، هو الخارج أصلا على أبناء عمومته (آل خليفة في البحرين) بسبب احتقارهم له، ومن خلال التحالف مع صديقه “ابن عفيصان” المتحالف بدوره مع الوهابيين والمهيمن عمليا على البحرين رغم وجود آل خليفة فيها، ومن خلال شبكة العلاقات التي يقيمها البريطانيون مع سائر الفرقاء. من خلال ذلك كله نقرأ صفحات بالغة الأهمية من التاريخ في حلة مدججة برصد تحولات الحس الإنساني، مع الكثير من تحليل الألاعيب السياسية، بما في ذلك فلسفة العلاقات الدولية وعلاقات الشعوب بعضها ببعض، وكل ذلك في خط درامي لا يترك القارئ يذهب بعيدا قبل أن يصل إلى نهاية الرواية.

من المؤكد أننا إزاء تاريخ حساس ومجهول الصفحات بالنسبة للقطاع الأكبر من الناس، بمن فيهم أبناء تلك المنطقة. نقول ذلك حتى لا يعتقد البعض أننا نقلل من أهمية البعد التاريخي في الرواية، لكننا نؤكد أننا إزاء عمل لا يتعلق بالتاريخ فقط، وإنما بسائر الأبعاد الإنسانية التي تتخلل العملية التاريخية بخاصة في المراحل المهمة، وفي العلاقات المعقدة بين الاستعمار وشعوب المناطق المستهدفة بالنهب والتقسيم ونوايا إدامة السيطرة.

بقراءتنا للرواية نتأكد أننا إزاء عمل رائع لا بد أنه استهلك من الكاتب جهودا مضنية من البحث في عشرات الكتب والمخطوطات ليخرج لنا بهذا العمل الإبداعي الذي ينقلنا إلى أجواء تلك الحقبة كما لو أننا نشاهد فيلما سينمائيا كلف مئات الملايين صرفت على بناء المعالم التاريخية وتصميم الملابس وسائر الديكورات التي تعكس أجواء تلك الحقبة.

ذكرتني رواية آل محمود برواية يوسف زيدان (عزازيل) التي نالت جائزة البوكر العربية 2009، وبالطبع من زاوية تشابههما في الجمع بين الروائي والتاريخي. وأعتقد أن (القرصان) تستحق أن تنال ذات الجائزة، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إنها بطبعتها الإنجليزية (بعد ترجمتها المتوقعة) تبدو جديرة بنيل جائزة “البوكر” البريطانية.

(الدستور)





  • 1 متعودة 25-11-2011 | 01:22 PM

    ...
    أكيد راح يطلع التقييم عال العال..


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :