facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




انحلال النخبة الأردنية


ناصر قمش
11-01-2012 11:15 PM

لم يحيِ الأردنيون ذكرى استشهاد وصفي التل كما فعلوا هذا العام . ذلك ان هذه الذكرى التي حفرت اخاديد من الحسرة في وجدان الاردنيين، لم تحظ من قبل بنفس الزخم والتقدير، لكنها هذه المرة اتخذت طابعا مختلفا في المجالس والدواوين والصحف والحراك الشعبي والامر لا يقتصر على استحضار سيرة وصفي من رجالات السلف الصالح، ولكنه ينسحب على الكثير من رجالات الدولة ، ورموزها ممن تركوا ارثا وطنيا وادبيات سياسية مازال الناس يقتاتون عليها ويستلهمون منها الافكار والاراء بعد ان عز انتاج مثلها واستنساخها .

فالانتصار لفكرة او وجهة نظر معينة تستدعي هذه الايام استحضار سيرة الرعيل الاول والاحتكام لمواقفهم وطرائفهم واعتبار وطنيتهم وجرأتهم نموذجا في الفروسية وهذا الحنين لا يتوقف على استحضار امجاد السياسيين فحسب ،ولكنه ينسحب على رجالات القضاء امثال علي مسمار، وموسى الساكت وزعماء القبائل أمثال حسين الطراونة وحديثة الخريشة وماجد العدوان، وحسن خريس، وصالح التل والصحفيين والكتاب “ جمعة حماد وسليم اللوزي وحسن التل وابراهيم سكجها” والعسكر امثال غالب عبد النبي وحاكم الخريشة وقاسم السفوق وعامر خماش، حتى الشخصيات الشعبية التي عز انتاج مثلها ومنهم الحاج محمود سعيد وجمعة الشبلي وفريد العكروش وعزيز جاسر وغيرهم من رجالات الاردن ونخبها الذين تظل ذكراهم تفرد عباءتها على ارثنا الثقافي والاجتماعي .

الملفت للانتباه ان استدعاء الموتى من قبورهم ،للحضور في النقاشات والمداولات قد قابله حمى مسعورة لدفن الاحياء، والانتقاص من شأنهم والصاق التهم بهم، والتقليل من انجازاتهم في ظل توسع حملات الكراهية .

ربما يرتاح الكثيرون الى الصاق تنامي ظاهرة اغتيال الشخصية، وتصاعد وتيرتها بمرحلة اردنية انتقل ابطالها الى دار التقاعد بعد ان صعدوا مناسيب النرفزة واشاعة الضجيج ورفعوا وتيرة حرب الاتهامات والتصفية المعنوية، في مختلف ارجاء الوطن لكن واقع الامر يؤكد بان هذه الظاهرة تكرست كمنهج وطني لم ينته بتنحية هؤلاء عن سدة المسؤولية ،وتحولت الى وباء مستوطن يشارك في الجميع ويدفع ثمنه الجميع في الوقت نفسه .

لقد مثلت معادلة انتاج النخب بمختلف اشكالها السياسية، والاجتماعية احد ابرز عبقريات الحكم في بلادنا ،ومكنته من خلق حلقات وسيطة جسرت المسافة بينه وبين مكونات المجتمع، على اساس التكامل في الادوار ،وليس المنافسة عليها وساهمت هذه التوليفة في رصف فسيفساء الوحدة الوطنية والحفاظ على الامن الاجتماعي ،ومكنت الدولة من الانتصار لسيادة القانون الذي تقدم على الروابط العائلية والعشائرية حينما يتعلق الامر بامن الوطن وسيادته، والشواهد على ذلك كثيرة وماثلة في الكثير من المفترقات التي قدم فيها الجميع مصلحة الوطن على المصالح العشائرية والفئوية، والجهوية الاقليمية لان مصلحة الجميع تكمن في قوة الدولة وليس ضعفها .

ذلك ان النخب تمثل حلقة الوصول بين المواطنين وبين خطط الدولة وتصوراتها المستقبلية ،وهم البوتقة التي تنصهر داخلها كافة المفاهيم والاستراتيجيات والسياسات ولديهم القدرة على تدعيم القوى الايجابية وتقليص السلبية، وحسم الخلافات والترجح بين الاراء .

واذا كانت الدولة تتحمل جزءا من مسؤولية العبث بهذه النخب، من خلال تقديم الاسوأ على الافضل، فان المجتمع يتحمل مسؤولية اكبر من خلال التشكيك الدائم بالاخرين.

لقد مثلت الحلقات الوسيطة اكبر عون للدولة باعتبارها اليد الطولى للتواصل مع ابنائها وتأطيرهم، سواء لردعهم عن التطاول على مقدراتها ،او التحشيد لقضايا وتحدياتها، والتاريخ حافل بالشواهد التي اكدت دور هذه النخب في تكريس هيبة الدولة مأسستها لدرجة ان جرحا بعمق ايلول التأم على يد رموز الاتحاد الوطني الذي مثل امتن الجسور بين كل مكونات الدولة .

ليس من العدالة اختزال تجارب نخبتنا وتقزيم ادوارهم من خلال “ وسمها “ بملصقات نختمها على سيرتها المهنية من قاموس التهم الجاهزة، كالاقليمي والجهوي والطائفي والفاسد والمرتشي والمخبر وابو التمويل الاجنبي الى تهم اخرى قد تطال الشرف، وقذف المحصنات .

ومن غير الانصاف التعالي عن الانجازات الوطنية لرجالات الدولة على اختلاف مواقعهم في مختلف ميادين شرف الخدمة العامة او بين صفوف المجتمع، وهي لعبة يخسر فيها المجتمع .

ان انهيار الاتحاد السوفييتي لم يبدأ مع اعادة البناء الغورباتشوفية ،ولكنه بدأ مع تفشي ظاهرة اغتيال الشخصية التي احترفها الشيوعيون، وخصوصا الحزب الستاليني اللينيني الذي ترعرت في صفوفه مصطلحات العميل والخائن والبرجوازي ضيق الافق استحضار الراحلين وتمجيدهم سمة نبيلة في الشعوب، ولكنها في حالتنا المحلية تفتح باب الاسئلة حول انحلال النخبة الاردنية وعجز المجتمع عن انتاج نخب جديدة واسباب غياب الشخصية الوطنية التي يلتف حولها الاخرون .

في النهاية اريد ان اطرح سؤالا بريئا “ هل نحن نمجد الموتى لاننا البلد الوحيد الذي ينفق فيه الاموات على الاحياء ، بعد ان ورثوا منهم اراضيهم ليعيشوا باثمانها، وبعد ان صنعوا لهم تاريخا وهم يبددون فرص المستقبل؟” .

الدستور

0





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :