خبر قرأته وأنا أكاد لا أصدق عيني، وذلك لأنه جاء على صورة لمعة برق بيضاء داخل كومة سوداء من العفن والفساد الإداري والمالي والفكري والسياسي، شهدناها تكبر في وجوهنا، وتنمو في ودياننا، وتتمدد في سمائنا، وتتسلل إلى خدورنا، حتى غدت تملأ الأفق. خبر عاودت قراءته أكثر من مرّة، وأنا أشعر براحة تلفني من الناصية حتى الأخمص. كما أحسست أن رئتيّ قد امتلأتا بهواء نقي كنا نستنشقه يوم أن كان من يرتشي قرشاً واحداً في بلدنا تفضحه الناس على رؤوس الأشهاد. بل وإن اللعنة كانت تلحق به إلى "ولد الولد".

يقول الخبر إنّ الدكتور كامل محادين رئيس سلطنة إقليم العقبة قد قام في أوّل يوم عمل له، تسلم فيه منصبه، بنقل سكرتيرته التي توارثت معظم الرؤساء السابقين، ليس نكاية بها أو إثر وشاية، إلا أن الحال "المايل" لا يستطيع الصادقون أن يتحملوه، ولأن المسؤولين الشرفاء يحسون أن "القرش الحرام"، و"الثانية" التي تُزهق في حق وقت الوطن، واستخدام المال العام في غير وجهة صحيحة، هي تلال من نار جهنم تحرق ظهور المتهاونين، لذا تراهم يسارعون في الخيرات، ويقيلون العثرات، ويصرّون على مواجهة التحديات التي يرون فيها قهراً لطهرهم ولأخلاقهم ولإيمانهم ولشرفهم ولكرامتهم ولوطنهم.

قصة هذه السكرتيرة أنها، كما نقلت المواقع، كانت متنفذة وتكاد تقتسم مع الرئيس صلاحياته. وأقل ما قيل إنها كانت "تمون" على سبع سيارات فارهة، تروح وتجيء تحت أمرتها ومن أجل خدمتها.

كما تضيف الأنباء أن كامل محادين (مع حفظ الألقاب، إذ أنّ اسمه "كامل" يكفيه أن يعطيه ألف شرف، فلكل امرئ من اسمه نصيب)، قد قام بسحب جميع السيارات من الموظفين الذين لا يقتضي عملهم اقتناءها. وأكثر من ذلك فقد جرد حتى نفسه من حق استعمال سيارة السلطة إلا في حدود العمل الرسمي، وغير ذلك فإنه يستخدم سيارته الخاصة.

كامل محادين لم يلبس قفازاً من حرير أو جلس على كرسي هزاز في مكتب مُكيّف، بل غمس يديه في "غَبَرَةِ" تنظيف العقبة، مع عماله، وحفر الأرض بواسطة مجرفة ليعين عامل زراعة عنده.

هؤلاء هم الأردنيون الحقيقيون، وهؤلاء هم الأطهار الذين يحسّون أنهم أمناء على بلدهم، وهؤلاء هم الشرفاء الذين يحمون الثغور. جلّهم أو كلهم قد ذكّرونا بالعهود الأولى للرجال الأطهار، الذي كان أحدهم لا ينام الليل وهو يلوم نفسه على تقصير هنا، أو ضعف أداء هناك. ومع الإقرار بأنهم كانوا أصلح منا بدرجات، إلا أن قربهم من الطُهر السماوي كان يعينهم على الصلاح، بينما فساد هذه الأيام، ورداءة هذا الزمن قد أحاطت بنا نحن من كل جانب. لذلك فإن القابض على دينه بيننا كالقابض على الجمر.
كامل محادين! تأكد أن لك حقاً في عنق كل أردني، لأن محافظتك على المال العام تعني أنك تحافظ على حقوقٍ، كلنا شركاء فيها. لذلك نسأل الله أن يحرسك كما حرست أملاكنا، وحرصت على مقدراتنا.

ولا أخالني أغادر هذه العجالة، إلا وأنا أرفع إلى مقام سيدي الملك أسمى آيات التهنئة والتباريك، لأنه أعطى القوس باريها، وأقول له يا سيدي إن البلد بخير طالما أن ضميرك قد استقر على كامل محادين وأمثاله. وتأكد يا سيدي أن البلد مملوءة "بالكوامل" وبالصادقين وبالشرفاء، ومنهم من قام بعمله فأجاد ومنهم من ينتظر أن يمتطي صهوة جواد الخدمة العامة ليؤدي الأمانة ويوصل الرسالة، اقتداءً بك وبعزيمتك.

كامل محادين... باسم الأردنيين نقول لك شكراً، ولو أنه لا شكر على واجب.