facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اللاجئة المُسنّة : وحوار الخمس دقائق


عادل حواتمة
30-06-2013 03:16 AM

إعتدت على عمل خيّر مذ ملكت سيارة، بمساعدة من لا يملكونها بنقلهم من مكان لآخر ضمن إختصاص طريقي، قاصداً الأجر عن روح والدي. ليس هذا ما دفعني للكتابة بل إن ما حصل معي وإعجابي ببطلة هذا المقال هو المحّفز الرئيس للكتابة، إذ أنه في يوم الأربعاء الماضي وعند عودتي من مكان عملي في الجامعة الألمانية الأردنية بطريقي من مأدبا الى عمان، وقع نظري على سيدة تسير بمحاذاة الشارع الرئيسي قاصدة وجهة ليست ببعيدة كما تبين لاحقاً. وتحمل على ظهرها متاعًا، قدّرت وزنه ما يعادل سبعة كيلو غرامات داخل رداء أسود يقف حاجباً عن رؤية تلك الحاجيات.

ذلك المنظر رسّخ في ذهني تلك الصورة الشهيرة للفنان التشكيلي "سليمان منصور" بعنوان "جمل المحامل" والتي كانت منتشرة بأغلب بيوت العرب والتي تصّور رجل مسن فلسطيني طاعن في السن يحمل على ظهره حملاً ثقيلاً لصورة جزء من مدينة القدس يظهر منها المسجد الأقصى و قبة الصخرة المشرفة.

ويغلب الظن أن الحاجّة قد ودعت عقدها السادس بهدوء ورضىً لتدخل عقداً جديداً مليئ بالمفاجآت والحوادث في سن متأخرة، وقد رسم الوشم الكثيف على يديها ووجها لوحة البداوة والعزة والأصالة - كما هو حال أمي -. تجاوزتها ببضعة مترات تأملتها وإذ بها سيدة مُسنّة، فغيرت إتجاه ناقل السرعة وعدت الى الخلف سائلاً عن وجهتها .
ودار بيننا الحوار التالي:

أنا: وين طريقك يا حجّة ؟
الحاجّة : والله يا ولدي حسبان في ناس هناك أجلس عندهم
أنا : إركبي يا حجّة أنا رايح هناك
الحاجّة، تركب وهي تدعو لي، وقد بدت عليها علامات السعادة وإنفراج التخلص من حمل ذلك المتاع الثقيل
أنا : كيف الحال يا حجّة؟
الحاجّة: بخير والحمد لله"
أنا : وين اولادك يا حجّة ، طالعة لحالك وحاملة كل هالثقل؟
الحاجّة : أنا سورية يا ولدي وما لي حدا غير الله
أنا : انتي لاجئة سورية ؟
الحاجّة : أه والله ومسؤولة عن سبع أنفار
أنا : طيب ما في رجال معكوا
الحاجّة : ما رضي الرجل يجي معانا وضل بسوريا كنا بالزعتري وجيت عند ناس يعرفوني هان
أنا : من وين من سوريا؟
الحاجّة : من حمص، من بني خالد
أنا : والله والنعم منكو يا حجّة
الحاجّة : حنا السوريين ما نشحد ما نعرف الشحدة يا ولدي
"لم يكن هناك سؤال أو فعل مني يدفع بها لهذه الإجابة ، ولكن أعتقد أنها إرتبطت في هذه اللحظة بذكر قبيلتها من باب الفخار ويحق لها ذلك، كما أعتقد أن ما كانت تحمله السيدة على ظهرها هي بعض الحاجيات التي كانت تتاجر بها من أجل العيش بكرامة كما قالت".
أنا : أم إيش يا حجّة؟
الحاجة : أنا أم مشرف
أنا : أهلا وسهلا يا مشرف
إلى هنا إنتهى الجانب الإنساني والإجتماعي من حوارنا، للننتقل أنا وأم "مشرف " الى الجانب السياسي
أنا : شو رأيك يا حجّة باللي يصير عندكو بسوريا كيف الوضع هناك
الحاجّة : الوضع يا ولدي والله " أقشر"و خراب " بمعنى سيئ جداً ومن الصعب إرجاعه لسابقه بسهولة
أنا : طيب يا حجّة الحق على مين؟
الحاجة : والله الحق يا ولدي على الطرفين، الاثنين عليهم حق
الحاجة : هان يا ولدي نزلنّي
أنا : أكيد بدك تنزلي هان يا حجّة
الحاجة : أه يا ولدي

"إلى هنا انتهى الحوار وأنا مستاء من قصره ، وأدعو الله أن ألقاها مرة أخرى لنكمل حديثنا، الى حين أن يدبر الله الأمر بقدرته".

نزلت وهي تدعو لي - اسأل الله الإجابة - وأنا أحمد الله على إستقرار وطننا، كم هي الصعوبة وكم هو الألم أن تتخيل الشيوخ والأطفال وبالأخص أقربائك " والدك والدتك أطفالك.. الخ " بما يتسمون به من ضعف، مشردين وفي أوضاع غير إنسانية ومهينة أحياناً.
الحوار مقتضب جداً ولكني خرجت منه بعدة دلالات أهمها:

أولاً: موقف الأردن والأردنيين بشكل عام، وسكان المنطقة بشكل خاص الذين تفوح منهم رائحة الشهامة والمروءة بمساعدة اللاجئين حتى خارج حدود المخيمات. أضف لذلك عقلانية الأردنيين في المطالبة بالإصلاح ضمن حدود العقل والعاطفة معاً دون شطط أحدهما على الآخر ما يجنبنا حالات مشابهة "لأم مشرف" وغيرها، فرّج الله كربتها.

ثانياً : أمتلكت "أم مشرف" نباهة سياسية في عدم زج نفسها مع أي طرف من أطراف النزاع السوري، بالرغم من كونها ضحية ذلك النزاع ، ومبعث هذا أضنه يرتبط بعدم معرفتها موقفي من ذلك القتال الدائر هناك، وبالتالي آثرت الوقوف على الحياد وعدم إتخاذ موقف قد يتعارض مع موقفي من وجهة نظرها، وذلك عندما ألقت باللوم على الطرفين المتقاتلين.

ثالثاً: برزت لديها قيمة إجتماعية سامية وهي العمل على حساب سؤال الناس؛ وذلك بنفي قيامها بالتسول بل وذهبت لأبعد من ذلك بنفي التسول عن كل السوريين، لأن هذا يتعارض مع الكرامة و الكبرياء ويظهر العزّة والأنفة التي تملئ نفسها.

حفظ الله الأردن شعباً وملكاً وفرّج كُرب المكروبين أينما حلّوا.

adel.hawatmeh@gju.edu.jo





  • 1 مخلد نوافعة 01-07-2013 | 03:28 AM

    مقال جميل جدا يتحدث عن واقع مؤلم يتعرض له الشعب السوري الذي لاحولل ولاقوه الابالله العلي العظيم ،لكن الاهم في المقال وما جذب انتباهي اهميت المحافظة على أمن واستقرار الاردن .

  • 2 د. نزار قبيلات- أمريكا 01-07-2013 | 10:44 AM

    سرد مشوّق د عادل. بوركت


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :