رحيل" الحكيم " .. وزوجة جورج حبش ل"عمون" : لم يمت في باريس بل قرب شعبه والراية ستبقى مرفوعة
26-01-2008 02:00 AM
عمون ـ فايز الفايز - توفي عند الساعة الثامنة من هذه الليلة السبت في مستشفى الأردن بعمان الدكتور جورج حبش مؤسس وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما إثر معاناته من مرض القلب وسرطان البروستاتا ، وفق الأطباء المشرفون عليه الذين أشرفوا على حالته منذ دخوله قبل عشرة أيام ، حيث أجريت له عملية قسطرة للقلب ، وبقي في غرفة الإنعاش قبل أن تصيبه جلطة ثانية وهبوط حاد في القلب ليتوفى الليلة . ووسط الجموع الغفيرة من المودعين والمعزين والرفاق وأصدقاء العائلة علا الوجوم والحزن على وجوه الحشد الذي غصت بهم ممرات القاعة التي ضمت جثمان الراحل حبش .
وقد صرح أحد المقربين من عائلته إنه لم يتقرر بعد ما أذا كان سيدفن جثمان جورج حبش في عمان التي أقام فيها منذ بضعة سنين أو موعد الدفن ، والذي سيكون على مايبدو بعد يومين لاستكمال إجراءات التشييع وحضور الشخصيات المتوقعة من الخارج .
وفي تصريح لـ عمون قالت زوجة القائد الفلسطيني الراحل السيدة هلدا حبش إن الضفة الغربية كلها أصيبت بجرح عميق بوفاة زوجها ، وقالت السيدة حبش إن وصية " الحكيم " هي إبقاء الراية مرفوعة ، وان يبقى الكفاح متواصلا لأن الشعب الفلسطيني سوف ينتصر وغزة وفلسطين كلها ستتحرر .
وقالت هيلدا حبش .. ان الفرحين اليوم بوفاة زوجها لن يرتاحوا أبدا مؤكدة اننا سنحمل جميعا راية جورج حبش وهي راية الأمة العربية .
وأضافت السيدة حبش إن زوجها لم يمت في فرنسا ولا انجلترا بل مات قريبا من وطنه وبين اهله والكل شاهد على ذلك ، مؤكدة على انها شاركته في جميع محطات حياته النضالية ، وهو لم يعش في الخارج بل بقي ملتصقا بشعبه وأمته وكان موجودا دائما في دائرة الصراع ضد اسرائيل .
وقالت حبش إن كان الدكتور حبش قد مات فسيبقى أتباعه سائرون على مسعاه وان الشعب كله هو جورج حبش ، فأفكاره ومبادءه ونضاله موجود بين الشعب العربي الفلسطيني .
وعاهدت زوجة الراحل " أم ميساء " عاهدته انها ستبقى ورفاقه على العهد مبشرة بأن فلسطين سوف تتحرر حتى آخر شبر وحتى أخر قطرة دم .
وقد ولد جورج حبش أو كما يلقب " الحكيم " في عام 1925 في مدينة اللد الفلسطينية لعائلة مسيحية فلسطينية ، وهو أحد أبرز الشخصيات الوطنية الفلسطينية ، وله بنتان فقط هما ( ميساء ولميس الظاهرتان في الصور المرفقة ) ، ويعيش في عمان منذ سنوات بعد إصابته بجلطة قلبية أدت في البداية الى إصابته بشلل نصفي ، وبقي معتلا صحيا رغم استمراره بمتابعة الأحداث والمشاركة في الفعاليات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية .
درس في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها عام 1951 متخصصا في طب الأطفال، وعمل في عمّان والمخيمات الفلسطينية.
و في العام 1952 عمل على تأسيس حركة القوميين العرب التي كان لها دور في نشوء حركات أخرى في الوطن العربي، وظل يعمل في مجال دراسته حتى عام 1957، انتقل من الأردن إلى دمشق وصدرت بحقه عدّة أحكام بين الأعوام 1958 و 1963. إنتقل بعدها من دمشق إلى بيروت. وفي العام 1961
تزوج عام 1961 من زوجته المقدسية" هيلدا حبش وانجبا بنتان أكبرهما " ميساء " .
لعب دورا في تبني الثورة الفلسطينية للفكر الماركسي اللينيني، وفي العام 1967 أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع " مصطفى الزبري " وآخرون وظل أمينا عاما لها حتى العام 2000، حيث ترك موقعه طوعا بعد مرضه ليخلفه فيه مصطفى الزبري المعروف " بأبو علي مصطفى. " الذي اغتالته إسرائيل .
قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مباديء الماركسية اللينينية. وبعد أحداث أيلول التي شارك فيها حبش ورفاقه ، إنتقل إلى لبنان كغيره من الشخصيات الفلسطينية في تلك الفترة، وخرج منها عام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي وخروج م ت ف ليستقر في دمشق، قبل ان يترك العمل السياسي ويختار الأردن مقرا له منذ عام 1992.
روج حبش في إطار قيادته للجبهة الشعبية للأعمال المثيرة والتي أخذ بعضها شكل عمليات اختطاف طائرات اسرائيلية وتفجير لبعض خطوط النفط والغاز وهجمات على السفارات الاسرائيلية في عدة عواصم غربية، إلا ان ما يمكن ان يؤخذ على جبهته المسؤولية عن خطف طائرات في الاردن عام سبعين، إبان أحداث أيلول .
و يعد حبش ، الذي يرى مراقبون انه آخر العقلاء التنظيميين، من ألد المعارضين للإتفاقيات المبرمة بين الفلسطينيين واسرائيل و قد أحاول أن يبقي الخلاف دون إراقة الدم الفلسطيني او يشرذم المجتمع الفلسطيني عبر انقسامات و حروب اهلية .
ونعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الراحل وأعلن الحداد ثلاثة أيام. وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن عباس أمر بتنكيس الأعلام ثلاثة أيام في جميع المؤسسات الفلسطينية "حدادا على رحيل هذا القائد الكبير".
وأوردت وكالتي "فرانس برس والبي بي سي " تقارير عن حبش والجبهة الشعبية ، جاء فيها..
أن الجبهة الشعبية منذ تأسيسها احد ابرز فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد ترك حبش الذي عاش طويلا في منفاه في دمشق العمل السياسي ولم تعد له نشاطات معروفة منذ سنوات طويلة، كما تخلى عن كل مناصبه القيادية في الجبهة الشعبية وبينها منصب الامين العام للجبهة عام 2000 لكنه ظل متصلبا في مواقفه رافضا لاي تنازل لاسرائيل ليجد نفسه مهمشا شيئا فشيئا.
وكان حبش معارضا لعملية السلام مع الدولة العبرية التي انخرط فيها ياسر عرفات واعتبر ان الدولة الفلسطينية التي سيعلن عنها لا يمكنها الا ان تكون "كاريكاتيرا" لان السلطة الفلسطينية قبلت بالعمل على تقديم التنازلات تلو التنازلات حسب رأيه.
وتبنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تزعمها حبش الفكر الماركسي-اللينيني المتصلب ولجأت الى العمليات العنيفة ما اوقعها في خلافات مع حركة فتح بزعامة ياسر عرفات.
وجاء في بيان ورد الى وكالة فرانس برس ان "الرئيس سيتقبل التعازي في استشهاد حبش غدا في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، ما بين الساعة السادسة مساء وحتى الثامنة مساء".
واضاف البيان ان "الرئيس امر بتنكيس الاعلام لمدة يوم واحد في جميع المؤسسات الفلسطينية، حدادا على رحيل هذا القائد الكبير، واعلن الحداد لمدة ثلاثة ايام" في الاراضي الفلسطينية.
من جانبه قال نبيل ابو ردينه لوكالة فرانس برس "ان الرئيس عباس يعتبر وفاة جورج حبش خسارة للشعب الفلسطيني خاصة في هذه الظروف التي يمر بها شعبنا .. وخسارة للقضية الفلسطينية التي ناضل حبش من اجلها اكثر من ستين عاما
وستعلن ترتيبات جنازة حبش الأحد في عمّان، بحسب عضو المكتب السياسي للجبهة تيسير قبعة ونائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، الذي أوضح أنها ستجرى بعد غد على الأرجح في العاصمة الأردنية. وستبني عائلة سرادق عزاء
وقد عاد حبش ليعيش أواخر أيامه في العاصمة الأردنية التي تركها عام 1970 -حين كان في الخمسين من عمره- وذلك بعد أن طرد الجيش الأردني الفصائل الفلسطينية المسلحة.
حيث استقبله العاهل الراحل الحسين بن طلال علنا في مطلع العقد الماضي، وسمح أيضا لرفيقه نايف حواتمة- زعيم الجبهة الديمقراطية بالتردد على بلاده. ويقول مسؤولون سابقون إن زيارة حبش تلك لم تكن الأولى إلى عمّان إذ سبق الملك الراحل أن منحه جواز سفر دبلوماسي.
أستاذ تاريخ في احدى الجامعات الأردنية رفض ذكر اسمه يستذكر شعارات حبش الثورية على الساحة الأردنية لا سيما "تحرير فلسطين يمر عبر عمّان". وانه من بين المتشدّدين في قيادات الفصائل الفلسطينية، وتنسب إليه المشاركة في اجتراح سلاح اختطاف الطائرات عام 1970، فكان أحد أسباب اندلاع المواجهات المسلّحة في الأردن.
يقول "لا خلاف في صدق حبش وإخلاصه للقضية الفلسطينية والعطاء. لكنه كان غوغائيا مذ كان طالبا في الجامعة الأمريكية في بيروت".
ويرى المؤرخ الأردني أن الكثير من طلبة "تلك الجامعة في تلك الحقبة كانوا يحملون سمة الغوغائية والاستعراضية وعدم الحساب الدقيق للنتائج".
وبينما يصف تلك الطروحات "بالسطحية والسذاجة الباعثة على الحزن في مرحلة غياب النضوج في النضال العربي" يؤكد البخيّت أنه "مهما علت الشعارات لا يمكن أن يسمح أي شخص لنفسه بأن يضحي بعمّان لأي هدف آخر".
يستذكر أيضا كيف ساهم هذا الشاب القادم من فلسطين في تأسيس صحيفة "الرأي" في منتصف القرن الماضي إلى جانب رئيس الوزراء الأردني الراحل وصفي التل.
ظلّ حبش حتى وفاته مناهضا لاتفاقات الحكم الذاتي التي وقعها عام 1993 رفيقه الراحل- ياسر عرفات زعيم حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية- مظلّة الفصائل القتالية بما فيها الشعبية.
في 27 نيسان/إبريل 2000، تنحّى حبش عن منصب أمين عام الجبهة الشعبية الذي ظل يشغله منذ تأسيسها عام 1967.
قيل آنذاك إن هذا الطبيب، الملقب ب"الحكيم" بين أتباعه ومناصريه، يرغب في التفرغ للأبحاث وتأسيس مركز للدراسات للاستفادة من دروس الصراع العربي-الإسرائيلي.
يذكر ان خليفة حبش وهو أبو علي مصطفى قتل في هجوم صاروخي، فخلفه في تشرين الأول/أكتوبر 2001 أحمد سعادات الذي يقبع في سجن أريحا منذ سنوات بعد أن اتهمته إسرائيل بالضلوع باغتيال الوزير رحبعام زئيفي عام 2001.
يخلص المؤرخ الأردني البخيّت إلى الاستنتاج أن حبش "مثل معظم المناضلين يعودون ليموتوا في عمّان".
*** الصور التقطت مساء لعائلة الفقيد في مستشفى الاردن وخاصة ب "عمون"