facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




درس من أجل تركيا


آيلين كوجامان
21-05-2014 05:06 PM

«هل يجب أن أخلع حذائي حتى لا تتسخ النقالة؟».. تلخص تلك الكلمات المأساة الفاجعة التي وقعت في منجم في تركيا الأسبوع الماضي. كان عامل المنجم المصاب الذي جرى إخراجه من عمق 400 متر تحت الأرض في سوما قلقا من أن يتسبب في اتساخ النقالة التي يرقد عليها. ولكن كان كل نفس يردده ذا أهمية بالغة للشعب التركي. كانت معجزة أنه خرج من تلك الكارثة.

نقلت تلك الكلمات رسالة تحملها مجلدات إلى الشعب التركي. كانت تكفي للتعبير عن القيمة التي يحملها شخص تجاه نقالة عادية من الملكية العامة، وزملائه الذين سيرقدون عليها بعده. وأتساءل إذا كانت الدولة تقدره بما يستحق؟

كانت الكارثة التي وقعت في سوما موضوع النقاش الوحيد في الأسبوع الماضي في تركيا، ذلك المنجم الذي دفن أسفله 300 شخص. إنه أسوأ حادث منجم يقع في تاريخ تركيا. بعد ثلاثة أيام من الحداد الوطني، يستحوذ 300 شخص، لقوا حتفهم في الكارثة، وسر وقوعها الذي لم يجرِ الكشف عنه حتى الآن، على تفكير الشعب التركي. بدأ الناس على الفور في التساؤل حول الحادث، الذي كان يمكن اعتباره «حادثا» وربما سيكون مصيره النسيان لو كان وقع في الماضي. هل كان هؤلاء الأشخاص الكرام الذين عملوا تحت الأرض برواتب متدنية يحصلون على ما يستحقون من تقدير؟

في الوقت الذي استمرت عمليات البحث والإنقاذ، عقدت الشركة المسؤولة عن المنجم الذي وقع به الحادث مؤتمرا صحافيا في ثالث يوم من وقوع الكارثة. تحدثت الشركة عن اتخاذ الاحتياطات وعدم وجود إهمال، ولكن المؤتمر أوضح حقيقة غير متوقعة: كانت المنطقة المعروفة بـ«الغرفة الآمنة» داخل المنجم والتي توفر للعمال الحماية في حالة وقوع أي خطر، مغلقة. وحفر المنجم على مستوى أكثر انخفاضا من أجل الوصول إلى طبقات فحم جديدة، ولكن لم يجرِ إقامة «غرفة آمنة» هناك. تحول الأشخاص الذين رأوا في ذلك إهمالا وانعداما للضمير على الفور إلى مسؤولي الحكومة. ولكن كان البيان الصادر عنها أسوأ؛ لم يكن هناك أي التزام يفرض بناء غرف آمنة لإنقاذ الحياة في المناجم على الإطلاق! ويوجد أربعة مناجم فقط من بين 400 منجم في تركيا بها غرف آمنة. وجدير بالذكر أن تشريع السلامة المتعلق بالغرف الآمنة لم يخرج في صورة قانون في ثلاث دول فقط هي باكستان وأفغانستان وتركيا.

تتبنى اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن السلامة والصحة في المناجم (رقم 176) تطبيق مستويات عالية من سلامة العمل وتنظيمه. وعلى الرغم من أن تركيا وقعت على اتفاقيتين مهمتين بشأن سلامة موقع العمل في عامي 2005 و2014، فإنها لم توقع على الاتفاقية المذكورة. تظل تركيا، العضو في حلف الناتو والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، والتي تتميز باقتصاد سريع النمو وارتفاع مذهل في مستويات التنمية في الأعوام العشرة الماضية، متأخرة في ما يتعلق بحياة الإنسان وسلامته.

تكشف الأرقام عن نتائج محزنة. تأتي تركيا في المرتبة الثانية بين دول العالم، والأولى في أوروبا، في ما يتعلق بالحوادث الصناعية. كما أن بها ثالث أدنى مستوى من الالتزام بالمعايير الدولية للسلامة الصناعية. ويقدر عدد عمال المناجم الذين لقوا حتفهم منذ عام 2000 بـ1308 عمال، وتقع 10,4 في المائة من جميع الحوادث الصناعية في المناجم.

يمكنك أن تعيد إحياء دولة ما، بإقامة طرق جديدة ومد أنابيب غاز طبيعي وإنشاء مطارات وجامعات. ولكن الدولة التي تحيل سلامة شعبها إلى المرتبة الثانية، لا تستطيع أن تصبح متقدمة أو مزدهرة. لا يوجد في العالم ما هو أغلى من حياة الإنسان.

بالتأكيد لا تُقبض نفس إلا بإذن الله، ولكن الله أيضا يريدنا أن نأخذ احتياطاتنا. وإحدى وسائل تلك الاحتياطات في ما يتعلق بالمناجم هو الالتزام بمعايير السلامة الدولية محل الاهتمام الحالي واتخاذ احتياطات استثنائية. ولكن تظل المسألة الحقيقية في التعامل مع هذا العمل غير العادي، الذي يقبله العالم بأسره، بأن يعمل الناس تحت الأرض. إذا كان ينبغي على شخص ما أن يعمل تحت الأرض بعمق مئات الأمتار في أوضاع غير صحية ويرى الموت وجها لوجه، فذلك يعني أن حياته زهيدة. أدخلت كثير من الدول المتقدمة نظما أوتوماتيكية، وبدأت عمليات استخراج الفحم تجري باستخدام إنسان آلي ومعدات يجري التحكم فيها عن بعد. من الضروري أن تضع الدولة جميع المبادرات الأخرى في المرتبة الثانية فيما عدا قطاع الصحة، وتبدأ بالعمل على الفور في إدخال هذا النظام. ولا تعني الميكنة أن يصبح عمال المناجم عاطلين، بل على العكس، سوف يؤدي تطبيق هذا النظام إلى توفير فرص عمل لمزيد من الأشخاص، حيث يتطلب قوى عاملة أكبر. ولكن حتى إن كانت هناك مخاطر في التعرض للبطالة، ما زال من الواجب على الدولة ضمان حصول هؤلاء الأشخاص على عمل في قطاعات أخرى وتحمل مسؤولية إعانتهم.

لا تستطيع الدول أن تتقدم وتنمو وتزدهر حتى تحيا بالقيم الأخلاقية الراقية التي اتسم بها عمال منجم الفحم، الذين أصروا على خلع أحذيتهم حتى لا يتسببوا في اتساخ النقالات. تستطيع الدول أن تنمو، ولكن ليس بتناسي هذه المآسي وقول «إن هذه الأمور تحدث»، ولكن عندما تتحلى بعقلية تمنع تماما حدوث تلك الكوارث. يمكن أن يسعد الناس فقط عندما يعدون كل روح تختنق تحت الأرض أغلى من أرواحهم. لذلك يجب أن تركز تركيا، التي في سبيلها بالفعل لأن تكون دولة متقدمة، أولا على الحقيقة الكبرى التي كشفت عنها كارثة سوما. سوف تتمتع الدولة بمستقبل باهر ما دامت تبنت مبدأ «الشعب أولا».

أدعو الله أن يتغمد برحمته أشقاءنا في حادث سوما، وأن يلهم عائلاتهم الصبر. كانت هذه المأساة المروعة درسا كبيرا.
(الشرق الأوسط)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :