facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لا نمـلـك إلا الـدمــوع .. !!


حسين الرواشدة
29-11-2014 02:03 AM

ابتدع اليابانيون فكرة جديدة للتخلص من الامراض النفسية التي يعانون منها بسبب ضغط ساعات العمل الطويلة، وارتفاع نسب العازفين عن الزواج وحالة العزلة التي يفرضها عليهم نظام الحياة، حيث انشأوا مؤسسات متخصصة لإقامة جلسات “ بكاء” تولاها عدد من الخبراء والمدربين عبر برامج لقراءة الروايات والقصص او عرض الافلام التي تدفع المشاركين في العادة للتنفيس عن مشاعرهم والدخول في موجات بكاء لساعة او اكثر، وقد حظيت هذه “ المزارات “ البكائية باقبال كبير من قبل مختلف الاعمار نظرا لما حققته من نتائج ايجابية في تحرير الاشخاص هنالك من عقدهم النفسية وعصبيتهم الزائدة.

في عالمنا العربي والاسلامي اشتهر إخواننا الشيعة باقامة احتفالات موسمية في مناسبات متعددة لممارسة مثل هذه البكائيات كتعبير عن الندم لتخليهم عن نصرة الحسين رضي الله عنه كما ان اخواننا الصوفيين يمارسون بعض هذه الطقوس في حلقات اذكارهم التي غالبا ما تتسم بالصراخ والبكاء للوصول الى العالم الاعلى حيث الانسجام مع الذات والاقتراب من الحق، وفي ادبياتنا الدينية لا نعدم من وجود “ فقه” خاص بالبكاء، له أحواله وشروطه وفضائله.

علميا، أشارت دراسة أجراها علماء اميركيون وهولنديون الى ان اغلبية الناس يشعرون بتحسن المزاج بعد البكاء لكن الدراسة ربطت بين فوائد البكاء ومكانه وتوقيته، كما لاحظت دراسات أخرى ان البكاء كالتعرق بعد الرياضة،وانه ضروري للتخلص من حالة التوتر والحزن، مثلما ان الدموع تساعد في التخلص من بعض المواد الكيميائية التي تترسب في الجسم جراء الضغط النفسي.

يمكن بالطبع فهم البكاء في اطار التعبير عن مشاعر الحزن أو الضيق أو في مواجهة المآسي التي يزدحم بها واقعنا وهو (البكاء) هنا منسجم مع الفطرة الانسانية التي تنتابها لحظات من الفرح والحزن تحرك داخلها غرائز مثل الابتسامة او الدمعة الباكية.

لكن ما لا يمكن فهمه هو ان يتحول البكاء الى “روح” عامة تسري في المجتمع والناس والامة، بحيث تتعامل مع مختلف التحديات التي تواجهها بمنطق الدموع تماما كما فعل شعراؤنا حين وقفوا للبكاء على الاطلال، وهكذا يمكن ان نتحول الى بكائيين عاجزين عن فعل اي شيء، لدرجة قد نتصور فيها احيانا ان بمقدور الدموع المسكوبة ان تحجب عنا رؤية الواقع و مواجهته ، او انها السلاح الوحيد الذي نملكه لتغيير احوالنا وحل مشاكلنا.

فرق كبير بين اليابانيين الذين دفعهم نمط الحياة المزدحمة بالعمل والانتاج والتوتر الى البكاء ، وبين بعض العرب والمسلمين الذين دفعهم الشعور بالعجز وقلة الحيلة والظلم والاستعباد، او اضطرتهم مآسي الحروب والصراعات الى البكاء والندب وشق الجيوب، اولئك اليابانيون قاموا بواجبهم على الارض في بناء الحياة ونهضوا بمسؤوليتهم ثم جلسوا “للبكاء” لاستئناف هذا الواجب واتمامه، اما نحن فقد خنقنا العجز والقتل والخوف والتخلف، واستفزعتنا دعوات “النعي” التي انتشرت حولنا، ولم يسعفنا تفكيرنا في الخروج من المقبرة التي اقمنا بين كوابيسها ودفنّا فيها عقولنا، فاستسلمنا لموجات طويلة من البكاء ، حتى أعمت الدموع عيوننا عن رؤية حاضرنا ومستقبلنا ايضا.

ربما تكون بعض الطرق التي تفضي للفرج مرصوفة احيانا بالدموع، وربما نحتاج احيانا اخرى للتعبير عن انسانيتنا او الخشوع لله تعالى بالبكاء، وربما تأخذنا صور الحياة المليئة بالمآسي والحزن الى ان نذرف دمعة حرّى على مشهد نعجز عن فعل اي شيء تجاهه، لكن من الخطأ ان نتحول الى مجتمعات باكية لا تجيد الا اقامة البكائيات، وذرف الدموع على الامجاد والاشخاص والمقابر، ولا تفهم الحياة ولا تسير عليها الا في سياق الدروب المرصوفة بالحزن الدائم والبكاء والعويل.
(الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :