facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هواجــس


سناء المعايطة
06-04-2008 03:00 AM

كانت تعلم أنها جميلة، فقطعة المرآة المكسورة المثبّتة فوق المغسلة في (حوش) الدار كانت تؤكد لها ما يهمس به حسها الأنثوي كلما وقفت أمامها.....

في كثير من الأحيان و في زيارات ما بعد العصر الخاطفة لبنات عمومتها كانت تلمحه يستند إلى جدار دكان القرية الوحيد بحجارته السوداء الكبيرة يمسك (عصا خيزران) ينشغل بعبث مقصود في تشذيبها ....لم يعنها أمره في البداية، ولكن واحدة من بنات عمومتها أطلعتها على ما قيل لها....انه يرقبها عن بعد ويلاحقها بنظراته كلما مرت بالطريق، ومن لحظتها أصبحت كل ما لمحت طيف كوفيته أووصل إلى مسمعها صوت تشذيب خيزرانته أصابها ارتباك عفوي يصاحبه تورد طفيف في أعلى خدودها ليزيدها جمالا ودلالا....

في ليلة صيف قروية رآها ترقص بحبل الدبكة في عرس قريبتها، كانت تتمايل بدلع خجول ....تمسك بيدها طرف ثوبها المخملي المطرز وتزين رأسها بوشاح حريري يجمع كل الألوان، وتمنى لو كان هو من يمسك بكفها الصغيرة ليطير بها ولتلحق بهما تراويد الصبايا .... تلك الليلة بالذات قرر أن يتجرأ بالبوح لوالده بأنه يريد الزواج، وعزم في حال رفض والده للاستجابة لطلبه، أن يدَعي المرض وأن لا ينزل معه ل "الحصيده" في صبيحة اليوم التالي، لم يتسن له ادعاء المرض لأن رفض والده للفكرة فعلا جعل منه فريسة للمرض ،ليلتزم بعدها الفراش أسبوعا كاملا، وبين توسلات والدته وتأخر الحصاد انصاع والده مجبرا للطلب وكان له ما أراد، وفي غضون شهرين كانت له وكانت في بيت العائلة كواحدة منهم تسهر لسهرهم وتفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم ....... هذا ما قالته لي عندما تعرفت إليها قبل ثلاث سنوات، كانت تقص لي قصة عشقها المستمرة منذ أربعين عاما وما زالت تتحدث عنها وكأنها البارحة، فأحببتها وأحببت روحها وحبها للحياة.

قبل أيام لبّيت دعوة لمناسبة اجتماعية، كان الحضور كبيرا وكنت بمفردي دون رفيق، اقتربت مني سيدة شاحبة الوجه هزيلة القوام ضعيفة الحيلة....نادت باسمي و مدت يدها المرتعشة للسَلام، أخفيت لحظتها ارتباكي وداريته وراء سلام حار مفتعل...إنها هي فدفء صوتها وبريق عينيها حاضران، ولم يكن في الإمكان أن أنساهما، وكيف لي أن أنساهما وقد صورت لي من خلالهما قصة عشق أبدي لم تروها حتى أحلام مستغانمي بثلاثية العشق المقدسة.

وبخفة روحها التي أعهدها، كانت هي من بادر بتخفيف هول الصدمة وقالت لا باس عليك ربما لم تدر ماذا أصابني،هذا حال الدنيا يوم لك ويوم عليك، قبل سنتين شخصت بالمرض إياه، وأنا الآن والحمد لله في تحسن مستمر، ما زلت في مرحلة العلاج و الأطباء يمنحوني الأمل في كل مرة أزورهم فيها ....حاولت بدوري تغير مجرى الحديث والانتقال إلى موضوع آخر فسألتها عن عائلتها وأخبارهم، راحت تحدثني بشغف عن انجازات أبنائها ونمو أحفادها وأنا انتظر أن تعرج على بقية قصة عشقها، فتجاوزت اسمه ولم تذكره في حديثها.....وعادت مرة أخرى للحديث عن مراحل علاجها وكيف استطاعت تجاوز محنتها بالصبر والدعاء ووقوف الأحبة إلى جانبها، شددت على يدها ودعوتها للبقاء، لكنها أصرّت على الذهاب فهناك من ينتظرها، فاستدارت بضعف وسارت بتثاقل لتختفي بعدها بين جموع المدعوين.

جلست ولدي رغبة كبيرة في البكاء، حاولت أن أستحضر ما بقي في ذاكرتي من صورتها الجميلة وروحها المرحة فخانتني ذاكرة الماضي وتغلبت عليها رؤية الحاضر، تقاطعت نظراتي بعيني السيدة التي تجلس إلى جانبي، لم تفلت نظراتي من الكلام الذي رأيته في عينيها ليرتفع صوتها المثقل بالحزن والأسف وتقول.... مسكينة جلب لها المرض الشقاء كانت فيما مضى امرأة ولا كل النساء، عانت في البداية عندما علمت بالتشخيص ،ثم أسلمت أمرها لمشيئة الله ،ولكن عاد واشتد عليها المرض بعد سنة من الإصابة به حين قرر زوجها الزواج بأخرى وتركها وحيدة تصارع شدة الألم وهواجس الوحدة وقسوة تخليه عنها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :