النائب حمزة أخوارشيدة يكتب عن سعود الفيصل
26-07-2015 01:11 PM
ولد في بيت يحب المسلمين والعرب، رحمه الله، هو من مواليد الطائف عام 1940 والده الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، شهد الملوك الأربعة خالد وفهد وعبدالله وسلمان أبناء عبدالعزيز، جده الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة ووالدته الملكة عفت الثنيان آل السعود.
حظي بشهادة بكالوريوس عام 1964 في الاقتصاد من جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي الأميركية ولكنها لم تكن المعيار الأساسي والوحيد في حياته، ولم توقفه عند طموح معين فكانت أهدافه كبيرة ونبيلة؛ بل سيل من الأهداف اللامعة، له الكثير من المهام التي شغلها ولكن أهمها على الإطلاق تربعه على عرش وزارة الخارجية أربعة عقود عام 1975 حيث عين وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، الذي كان وزيراً للخارجية وهو ملك على البلاد.
شهد له الكثير بالحكمة والحنكة والإدراك، حاز على لقب عميد دبلوماسيي العالم، سُئل صدام حسين رحمه الله ذات يوم من هو الرجل الذي تخشاه ابتسم وقال: سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أدهى من قابلت في حياتي فحينما كنت في حرب إيران جعل العالم معي وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي، وكل ذلك كان في مؤتمر صحفي واحد، أمّا ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي قال: لو كان لدي رجل كـ "سعود الفيصل" لما تفكك الاتحاد السوفييتي وانتهى.
ديفيد ميليبند وزير الخارجية البريطاني السابق قال: سعود الفيصل وزير الخارجية يستطيع أن يحصل على ما يريد ومنح السعودية قوى خارجية لا يستهان بها، بوتين الرئيس الروسي قال: إن سعود الفيصل وزير الخارجية يتحدث بوضوح تام يجعل محدثيه في حيرة من أمرهم، كيف يكون وزير الخارجية بهذا الصدق. يتحدث فارس الدبلوماسيين سعود الفيصل سبع لغات وذهل الكثيرون بمعرفته اللغة العبرية.
رد سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية على أوباما حينما قال: "اتركوا الشعب السعودي يعبر عن ما بداخله اتركوهم يتظاهرون"، فقال سعود الفيصل: "لا نتدخل في شؤون الآخرين ولا نقبل لأحد أن يتدخل في شؤوننا؛ وأي أصبع يمتد في وجه المملكة سنقطعه".
وقف في وجه إيران وتهديداتها ولجمها حين قال: "أي زورق إيراني يدخل حدود البحرين ليس له رجعة إلى إيران".
عروبي أصيل لم يساوم على العروبة والإسلام، سار على نهج والده الشجاع الذي امتلأ صدره إيماناً بالإسلام وبالعروبة الدافئة، لم يغيره مخالطته العالم الغربي فكان كما والده الفارس الشجاع الكريم.
وكثير هم من استلموا وشغلوا مناصب سياسية رفيعة بعالمنا العربي وكثير منهم لا علاقة لهم بأي عمل أو مفهوم سياسي، إلا موالاتهم لموقعهم الاقتصادي كرجال الأعمال أو لموقعهم العشائري كأبناء العائلات العريقة، وقلة هم ما كانوا قد وصلوا لموقع سياسي رفيع لقدرتهم بتحمل هذا المنصب، وكانوا بحجم ما استلموا وبعضهم كانوا أكبر من حجم ما استلموا.
الأمير سعود الفيصل هو من الذين كانوا أكبر بكثير من حجم وظيفتهم السياسية، هو رجل على ذكاء منقطع النظير وخبرة سياسية دبلوماسية ندر أن يصل إليها أحد، ولكن السياسة لديه لا تتجاوز الثوابت التي يؤمن بها بل تعمل لصالح هذه الثوابت، أما ثوابته فهي الثابت العربي وإيمانه بعروبته جعله على مر السنين وتقلبات الأوضاع بمنطقتنا العربية لا يتجاوز خط عروبته وانتمائه العربي؛ فقد كان عروبياً مهما تقلبت الأمور والأحداث، ثابته الإسلامي وحسه العميق بإسلامه جعله يقف كالبرج العالي الماكن المتمكن لنصرة الإسلام والمسلمين، وضد من يحاول أن يسيء للإسلام سواء أكان ذلك باسم الإسلام أو بغيره، انتمائه لعائلة آل سعود هذا الشعور القوي لدى هذا الأمير جعله دون تعنصر إظهار هذه العائلة على حقيقتها وبصورتها الحقيقية التي يحبها العرب والمسلمين.
التقيته في إحدى المناسبات الرسمية، قال لي بالحرف الواحد: "الأردنيون أوفياء والقيادة حكيمة وأنتم عنق العرب".
لبق في كلامه جعل من الدبلوماسية العربية والسعودية منارة يسير عليها من خلفه؛ شخصية أسطورية بحق، يجمع بين العلم والكفاءة والأدب والإخلاص.
أربعة عقود خاض خلالها معتركات قوية على المستوى الإقليمي والدولي، لم يكن يوماً إلا مسلماً وعربياً وإنساناً، بكل ما تحمل الكلمات من معاني، واجه الصعوبات والتحديات معاً، وكان قادراً على الخروج منها بنجاح.
نرفع لك القبعة سموّ الأمير أينما ذكر اسمك، هذا هو سمو الأمير سعود الفيصل الذي قل أن نجد مثيلاً له في هذا العالم متلاطم الأمواج والتيارات، عجزت الألسنة والأقلام عن وصفك، فعلى روحك الرحمة وأسكنك الله فسيح جنانه، وإنا لله وإنا إليه لراجعون.