facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين يقتل الأب


سناء المعايطة
03-06-2008 03:00 AM

يتساءل البعض أحيانا ما الذي يدفع أحد بسطاء الناس ليسارع بتلبية دعوة خجولة لحضور جاهة أو أداء واجب العزاء. اعذروني لهذا القول، فظاهر حياتنا وعاداتنا أن حضور البسطاء يأتي فقط لإكمال متطلبات الوجاهة المزعومة. هم يحضرون وهم عارفون أن الكثير يتجاهلونهم، وأن الأكثر يستكثرون السلام عليهم، حتى أن فنجان القهوة لا يمر عليهم إلا صدفة. قد يستنكر البعض ويذهب للقول "من يعتب عليه" بل ويحرره من أية تبعيات أو مسؤوليات اجتماعية. نعم هؤلاء هم بسطاؤنا، لا يبدون رأيا، لا يملكون مالا، ولا يتظاهرون بما لا يعرفون. البعض يجافيهم وكأنهم "مجذومون" وهم بأغلب الأحوال عاطلون عن العمل وان كانوا قد سعوا إليه. ربما اختار أحدهم في أحد الأيام أن يسلك مسلكا ترفضه الأغلبية و تعتبره خروجا عن الأعراف والتقاليد. المؤلم والمحزن في كل هذا أنهم مدركون لمشاعر الآخرين تجاههم. إنهم يلمسون كل انفعالات الآخرين المذلة عند رؤيتهم. في كل الأحوال فإنهم يصرون على الحضور والتواجد، قد ينزوون، قد يشغلون أنفسهم بتوافه الأمور. الشيء الوحيد المؤكد أنهم يتواجدون إذا دعوا حتى لو كانت الدعوات خجولة.

جريمة "أبو علندا" راح ضحيتها أطفال بعمر الزهور اليانعة، والقاتل أب ثلاثيني، جار أردني، تكالبت عليه ظروف الزمان وقسوة المجتمع فحولته الى قاتل مأجور. ،جريمة "أبو علندا" جريمة تختلف عن كل الجرائم، دوافعها لم تتضح بعد وقد لا تتضح يوما، وملابساتها تلتبس حتى على مؤديها، لكننا لا يمكن ولو للحظة أن ننكر أن ما حصل هو ليس شأن تلك العائلة وحدها، وأن الأب ليس المتورط الوحيد في هذه القضية.

يتضح من اعترافات الأب الأولية أنه كان يعاني من عقدة نبذ المجتمع له، حتى زوجته الأخيرة نبذته، ولا ندري حقا ماذا كان نصيب الجارة الراحلة من ذاك الشعور. في كثير من الأحيان يساهم المجتمع بشكل أو بآخر في اقتراف الجرائم ويكون القاتل هو أداة للجريمة، ينهي بها أعز ما لديه و ليزج به في السجن أو ليعلق على حبل المشنقة. أنا لا أدافع عن الأب القاتل، ولا أحاول أن أجد له مبررات لفعلته النكراء، ولكن يبدو أن الأب القاتل هو نفسه ضحية من ضحايا المجتمع الذي تنكر له ورفضه، لا ندري لماذا ولا نعلم ما الذي فعله ليستحق أن يمنع من أبسط حقوقه الإنسانية كحضور عزاء والدته. لنفترض جدلا أنه ارتكب أكبر المعاصي، وسلك أكثر الطرق سوءا والتواءا، لنفترض أنه من أصحاب السوابق وعنوان للموبقات لنفترض ما نفترض، هل هذا سبب لمنعه من حضور عزاء والدته ؟ من نحن لنصدر أحكامنا على الناس ومن نحن لنمنع هذا أو ذاك من القيام بأبسط الحقوق وأكثرها إنسانية؟ من نحن لنلصق ملصقات غير مرئية على أجساد البشر لتصنفهم حسب مقاييس قد تختلف باختلاف أبعادهم الجغرافية أو التاريخية أو حتى العقائدية .

في مجتمعنا الأردني، لطالما كانت العشيرة (عزوة)، ولطالما كانت العائلة سندا يشد بها الظهر، ولطالما كانت الأسرة نواة صغيرة عمودها الأب ,تسانده الأم. اليوم هناك خلل واضح في المعايير التي نشأنا عليها، وهناك تنصل من الواجب، يسارع البعض لصقل و تلميع اسم عشيرته و نشر طيب عطرها الأزلي وكأنها وردة بيضاء تتوسط مرجا أخضر (كلنا يتمنى ذلك). بالمقابل أتساءل ماذا نفعل للحصول على تلك الصورة السرمدية ؟ ونحن نعلم أن نشوز أحد أفرادها قد يهزها وللأبد، قد يحيلها في ليلة وضحاها إلى صحراء قاحلة لا يسمع منها سوى نعيق الغربان. أين كنا قبل أن "يتملص" بعضنا من صلة قرابته بأحدهم بعد اقترافه لفعل مشين؟ ماذا فعلنا يوما لردعه أو لكفه؟ ماذا فعلنا لنصحه ومساعدته؟ هل طرقنا باب بيته يوما لدعوته لفرح أو حتى لترح؟ هل مررنا لزيارته أم عبرنا أمام عتبته مهروليين قبل أن يلمحنا ويدعونا للدخول؟ هل وصلنا إليه قبل أن يصل إليه صندوق المعونة الوطنية؟ هل أعنَاه قبل وصول حملة خير رمضانية أو مركبات عون غذائية لتملئ البطون الجوعى؟ أين نحن من أفئدة ما تزال فارغة تئن بلا صوت أو صدى يسمع.

منظر حقائب الأطفال المدرسية الملقاة وأوراقهم المبعثرة في ركن منسي، تهالك طلاء الجدران، بعثرة الفراش وأغطية النوم على الأرض توحي جميعها وبدون شك أن تلك العائلة كانت تعاني من الإهمال والفقر، وأنا على يقين أن الحال ما كان ليصبح بهذا السوء لو كان هناك أدنى حالات التواصل والتراحم. ربما ... ربما كان بالإمكان تجنب تلك الجريمة البشعة في المقام الأول ولربما كان الأطفال اليوم يجلسون على مقاعد الدراسة لتأدية امتحانات نهاية العام الدراسي كغيرهم من أبنائنا. ،وربما كانوا يحلمون بصيف جميل يقضونه ولو حتى بين الأزقة والطرقات المهملة. ولكن أبى التشرذم و التخلي والتنكر والهروب أن تسمع ضحكات الأطفال وتعابيرهم الندية، وأبت قسوة المجتمع أن تشفع لعيني عبدالله الخضراء أن تجوب ربوع الوطن وتمتعهما بالحرية وأبت رحمة الزوجة والأم أن تتجلى بأكبر معانيها لتحنو على طفلة تلون شفاهها فرحة بأنوثتها القادمة. نعم لقد أبت لحظات ضعف خاضها أب في لحظات طيش أن تمنح القوة لعلي لأن يصبح ذاك الشاب الأردني الطموح الذي سيحمل بفخر يوما ما اسم والده وجده وعائلته ليطرق بهم أبواب الحياة كغيره من شباب الوطن، لم يعلم علي أنه سيطرق تلك الليلة باب الموت بتساؤل عن ذنب استحق عليه تلك الطعنات الدامية في جسده الطري.

همُ العائلة الأردنية اليوم وللأسف أصبح منسيا، تتناساه وسائل الإعلام التي باتت مشغولة بصنع الألقاب والمسميات ،واحتكرت معاناة المواطن لتروج لبضاعة كاسدة لا تسمن ولا تغني من جوع. و نوابنا الأكارم قد نسوا للحظة أنهم جاءوا من رحم هذا الشعب وعشائره وأنهم المرآة المصقولة التي تعكس هموم المواطن الحقيقية. و باتت ذاكرة الوزارات المعنية بتحسين أوضاع من تآمرت عليهم أصناف العذاب من قهر وجوع ومرض رهينة لحيز المكاتب المكيفة وشاشات عرض" البور بوينت"، تناست تلك الوزارات أن عملها يقبع في أكثر المناطق عوزا واكتظاظا وبعدا، وأما كبار شيوخ العشائر والوجهاء والمخاتير الذين نجل ونحترم آن لهم الأوآن كي يحكموا خبرتهم وحكمتهم في القضايا الإنسانية لا أن يحصروها في الجاهات والعطوات وتلبية الدعوات للإحتفالات والمراسيم الشكلية. التواصل والتراحم هي أبهى صور مجتمعنا الأردني، والمحافظة على العشيرة وأبنائها هي صورة من صور الإنتماء للوطن، ،وقبول الآخر واحترامه ومساعدته هي أقل ما يمكن تقديمه لتماسك الأسرة وصونها .حمى الله هذا البلد وأبناءه، ولا أرانا الله مكروها بعزيز.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :