facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




Kipling .. لعنة الله عليك ..


د. ربا زيدان
05-06-2008 03:00 AM

اتذكر هذه العبارة الغاضبة التي اعتاد استاذي في الجامعة ترديدها لمدة اسبوع او أكثر أثناء شرحه لاحدى القصائد المقررة في مادة الادب العالمي.

ورغم انني كنت أتعاطف مع حنق المحاضر وأحترم غضبه، الاأنني كنت مشغولة برغبتي في اجتياز مادته بامتياز أكثر من توقي لادراك المعاني العميقة لكلمات تلك القصيدة، والتي حث فيها الكاتب البريطاني الاصل Rudyard Kipling الولايات المتحدة الأمريكية بالاضطلاع بمسؤولياتها المزعومة آنذاك وامتلاك زمام الأمور في الجزر الفلبينية والتي فرضت سيطرتها عليها عقب انتهاء الحرب الأمريكية-الاسبانية في العام 1899..
و Kipling الذي دعا الحكومية الأمريكية في حينها الى (الأرتقاء) بالشعوب الأخرى نحو (الحضارة) وانتشالهم من( الجهل) الى( النور)، مازال حاضرا بيننا.
Take up the White Mans burden
Send forth the best ye breed
Go bind your sons to exile
To serve your captives need ;

لكنني الآن، أكثر من أي وقت مضى، أجدني أتذكر وجه أستاذي المحمر، وملامحه الغاضبة وأبيات من القصيدة المعنونة ( The White Mans Burden ) او (عبء الرجل الابيض)، كلما رأيت وجه بوش على الشاشة يتحدث متبجحا عن السلام العالمي ومفاهيم العدالة الامريكية ورغية حكومته في دمقرطة المنطقة العربية . ولا ادري ان كان يتوجب علي أن أشعر بالطمأنينة كلما رأيت مبعوثيه يجوبون أراضينا، رافعين رايات الحب ، مؤكدين براءة نواياهم ورغبتهم الأصيلة في مساعدتنا لتشكيل كيانات حرة ومد يد العون الى شعوبنا لايصالها الى بر الأمان الذي يزعمونه.

كلما استمعت لخطابات بوش أحاول جاهدة اذابة تللك الأبيات من رأسي، واقناع نفسي بأن ما يجري هو من متطلبات الوقت المعاصر واحتياج الأضعف للاقوى ، لكنني لا املك الا أن اصاب بنوبة من الضحك ، التي تنتهي كالعادة بطعم من المرارة يعتصر حلقي ويمتد الى اعمق نقطة في قلبي.

فالجانب الامريكي يبدو منذ القدم ملتزما بتوصيات Kipling التي تصنف الرجل الأبيض في قائمة البشرية ، وتحثه على حماية الشعوب الاخرى من انفسهم وذلك بمصادرة حرياتهم وسفك دماء ابنائهم وفرض ثقافتهم الغريبة عليهم. لا بد أن Kipling ، وفي ظل دعمه السافر للامبريالية ، كان يمهد الطريق لما آل اليه الحال الآن. وأراهن أنه كان سيشعر بالسعادة لو اكتشف كيف اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها روزفلت ، دعواته منذ القدم واعتمدتها كانجيل نجاح أوصلها لان تكون الدولة الاكثر نفوذا في ايامنا هذه.
ومن الواضح أن جميع نبؤات ذلك الشاعر البريطاني كانت صحيحة. فهو يؤكد في قصيدته التي لاقت الكثير من الترحيب في الاوساط الامبريالية آنذاك، أن امريكا ستقابل بالنكران والكراهية والعنف أثناء محاولاتها المقدسة لتمدين الشعوب المستعبدة. وعليها أن تتحمل ما سيجره عليها هذا الدور الريادي من متاعب.

ولا أظن أن توقع Kipling هذا يندرج ضمن استشراف المستقبل، بل هو نتيجة طبيعية لممارسات أية دولة استعمارية.
فامريكا، وان كانت قد امسكت بأصابع من حديد بمفاتيح السياسة والاقتصاد العالميين ، الا أنها لم ولن تفلح في امتصاص الكراهية الشديدة المتراكمة تجاهها، وهي وان أنكرت هذا الامر فلا بد ستنفجر في وجهها هذه الكراهية يوما ما.

وأستحضر هنا السؤال الشهير الذي طرحه الصحفي الامريكي Thomas Freidman في احدى مقالاته والتي تزامنت وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ، في محاولة منه لفهم دوافع مثل هذا العمل ، " لماذا يكرهوننا؟"
ولا أستطيع كتم قهقهة عالية ، فأنا، واعذروني ،لم أستوعب بعد الدروس الأمريكية والنظام العالمي الجديد، أنا لم أزل أسأل كيف يمكن أن أحب جلادي؟؟ ولم أزل أتسائل عن السبب الذي يجعلني أطوق بالورد اعناق اولئك الذين يصفونني بالأرهاب والتطرف لمجرد أنني أدعو ضحايانا بالشهداء لا الانتحاريين..
أرجو أن تعذروا مبدأيتي، فطيلة حياتي أعتمد المعيار الواحد ، ولم اتمكن الى الآن من فهم انحياز امريكا الكامل لكيان استعماري كاسرائيل في الوقت ذاته الذي يدعي فيه بوش حرصه على اقامة دولية فلسطينية على أقل من 18 % من مساحة فلسطين التاريخية ..ولا أن اسمي مجازر الجيش الأمريكي في العراق بالتحرير..أيكون هذا التحرير هو ما تحدث عنه Kipling ?
؟ أتكون روائح الموت هي ذاتها عبق النصر المزعوم؟
اعذروا قناعاتي..فأنا لااستيطيع الا أن أرى بمنظار واحد وهو أن كل ادعاءات الغرب بالتواصل الثقافي تعني توحيد الجهود الاعلامية لغسل ادمغة ابنائنا، وأن جميع المصافحات التاريخية خبأت خناجر غرست لاحقا في اعناقنا

لم يتوجب علينا ان نحبهم؟ فأبسط قواعد الانسانية لم تجد طريقها الى معاجمهم، ومعاييرهم المزدوجة مازالت تتحكم بمصائرنا،عن اي تواصل حضاري يتحدث بوش؟ اهو التواصل المبني غلى الاعتراف الكامل باحقيتهم في ادارة شؤوننا واستنزاف مواردنا.
أرجو أن تعذروني، فأنا لا يمكنني أن افهم كيف نستقبل مبعوثيهم بالورود والقبل ومن أكفهم تتساقط اشلاءنا، ولا أن أستوعب تهافت أبنائنا على مخرجات الثقافة الغربية القادمة منهم؟
لابد انني حقا ساذجة، فأنا لا أرى في حصولي على جوازهم مفتاحا للجنة..ولايهمني ابدا أن اختفت جميع ملامح التمدن الامريكي المزعوم من حياتي.

لكنني قد أكون مخطئة في نقمتي على السياسة الأمريكية ، فهم طيبون جدا..وبريئون، وهم في جميع ممارساتهم معنا يقومون فقط بواجباتهم الاخلاقية التي يفرضها عليهم موقعهم مدفوعين بشعور عال من المسؤولية نحو الاعراق الأقل منهم تحضرا ورقيا وثقافة!!! لا بد انهم جدا طيبون..فمشاريعم التنموية التي ينعمون بها علينا ومنحهم التي يقدمونها للمتفوقين من ابنائنا ليست الا عربون صداقة وحب..كما ان دعواتهم لنا بنبذ العنف ورفض الارهاب ليست الا لفتة كريمة منهم للقضاء على النزاعات في اوطاننا,,
لا بد انني ساذجة..
فمن الطبيعي أن أشعر بالزهو كلما لمحت الدهشة ترتسم على وجه احدهم في اي مطار عندما يدرك أنني عربية أو مسلمة ، فيبدأ بعدها بالتمعن في وجهي، فلا بد أنني أخفي في ثيابي بندقية وبين أصابعي حجر..

واتذكر كلمات القصيدة..وأتمنى لو أعود بضعة اعوام الى الوراء..حتى أشكرأستاذي على غضبه، واطلب منه ان يعذر رعونتي...وبراءتي، حين اعتقدت أن لا علاقة للسياسة بالادب ،واعتقدت أن بامكاني فهم تلك الكلمات دون اسقاطاتها التاريخية..وأطرها السياسية..

لكن من الواضح أنني لم اتخلص بعد من سذاجتي، فعوضا عن أن أشكر النظام الامبريالي الحديث لتحمله تبعات مسؤولياته التاريخية، أجد نفسي أردد أبيات قصيدة اخرى بعنوان ( The Browns Man Burden ) والتي يهزأ بها الكاتب البريطاني الأصل أيضا Henry Labouchère من ادعاءات Kipling ، ومن النظام الأمريكي برمته..
Pile on the brown mans burden ,
And through the world proclaim
That ye are Freedoms agent
Theres no more paying game !
And, should your own past history
Straight in your teeth be thrown ,
Retort that independence
Is good for whites alone .

أسائل نفسي احيانا لم لم يذكر استاذي شيئا عن هذه القصيدة؟ لم لم يخبرنا عنها. الأنني كنت مشغولة باجتياز مادته اكثر من أن أكلف نفسي عناء التدقيق في اسباب غضبه؟؟
ووجدت نفسي اردد .. " Kipling ، عليك اللعنة..."





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :