facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المثقف والمتسولة


حلمي الأسمر
06-06-2008 03:00 AM


أسند ظهره مع تنهيدة طويلة إلى الحائط الظليل ، تنفس عميقا بعد طول مشي تحت شمس حارقة ، ثم مسح قطرات العرق المتجمعة على جبينه ، وكأنه غفا قليلا ، أو هكذا هيء له ، انتبه على صوت نسائي متسول ، فتح عينيه ، كان ثمة أم ألقمت طفلها ثديا ناشفا ، وعينان مزمومتان في حجر ضيق أصلا ، وهاتف يقول: أعطني مما أعطاك الله، أشاح الرجل المتراخي بوجهه عن المشهد ، معتبرا أن الأمر لا يعدو مجرد حلم ، أخرج من جيبه كيس تبغ بلدي ، وبدأ بلف سيجارة ، أشعلها ، وتكرر التوسل والتسول: أعطني،

كان عائدا للتو من ندوة سياسية مشى إليها كيلومترات لا يدري عددها ، متأبطا بضع صحف وكتب ، أرخى جسده إلى الحائط الظليل ، بعد أن شرب من ماء سبيل ، وضع للعابرين ، ألحت بالسؤال: أعطني، غير أنه لاحظ أن لهجة التسول خفت فيها كمية "التوسل" بعد أن رأته يدخن سجائر "لف" جلست قربه ، كفت عن التسول ، نظر إليها بعطف ، وأخرج من جيب بنطاله "فراطة" نقود ، وقال: تدرين أن ما في جيبي لا يكفي لعودتي إلى البيت ، يلزمني أن أركب وسيلتي مواصلات ، وما معي لا يكفي إلا وسيلة واحدة ، يعني علي أن أركب جزءا من الطريق ، وأمشي الجزء الثاني، رفعت حاجبيها متعجبة: لكن حذاءك لامع ، ولباسك مهندم ، ولا تملك غير قروش قليلة؟ كما أنك تدخن سجائر "لف"؟، قال: نعم ، ولا أملك غير هذه القروش ، هل صدقت أنني لا أستطيع تقديم مساعدة لك؟ قالت: صدقت ، خذ لك سيجارة ، ثم أخرجت علبة سجائر فاخرة من "عبها" وأعطته سيجارة ، دخنها ، واستمرت المتسولة بالحديث: وكيف ستعود في هذا الجو الصعب؟ قال: كما أعود عادة: ماشيا أو في ركوبة أحد المعارف؟ قالت: ألا تعمل؟ قال: لا ، الفرص ضيقة ، وتحتاج إلى "ظهر" يسندها ، لم يظهر عليها أنها فهمت ما يرمي إليه تماما ، لكنها مدت يدها إلى حقيبة بالية معلقة على كتفها ، واخرجت خمسة دنانير وبعض قطع من النقود المعدنية وقالت: أقسم أنني لم "اشحد" هذا اليوم غير هذا المبلغ ، خذ منه ثلاثة دنانير ، واركب بها تاكسي لبيتك ، وأبق لي الدينارين والفراطة، يقول لي المثقف ، وهو يروي هذه الحادثة التي تكاد أن تكون ضربا من الخيال: عند هذه "الذروة" من تطور الحوار بيني وبين المتسولة الطيبة ، دارت بي الدنيا مليون دورة ، و"عزت علي نفسي" وكدت أنفجر بها غاضبا ، إلا أنني سيطرت على مشاعري ، ونظرت إلى جانب آخر في عرضها: تعاطفها معي ، ورغبتها في "تشحيدي" جزءا مما "شحدت" رغم أنها ربما لمت المبلغ بالشلن والتعريفة ، بصدق ، يقول لي ، أكبرت موقف المتسولة الشهم ، وشعرت بغضب على نفسي والناس والمجتمع،

أنا أعرف أن صديقي المثقف جدا ، لم يدخر جهدا في البحث عن عمل ، واستعمال كل طرق توفير الدعم اللوجستي والتوسط لاصطياد وظيفة ، لكنه لم يوفق في عمل ، إلا أخيرا ، بعد أن وصل حافة الهاوية، قد يبدو أن هذه القصة من نسج الخيال ، لكن في المرتين اللتين رواها لي "بطلها" على سبيل الدعابة والتفكه ، شعرت أن الدنيا تدور بي ، وأقسم أنني لم أشك لحظة أنها وقعت فعلا ، لأن هناك مثقفين "غير خفيفي اليد" لم يزالوا يعيشون حياة أقل "رفاهية" من متسول أو متسولة،

helmi@nabaa.net

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :