كان الشرق على مر العصور نقطة اغراء وجذب للامبراطوريات الغربية فلقد ارسل الاسكندر المكدوني جيوشه لاحتلالها كما ارسلت الامبراطورية الرومانية ولاحقا البيرنطية وامبرطوريات القرن الحادي عشر الاوربية مرات تحت مبررات الوصول الى طريق الحرير او الذهب و لاحقا الى الارض المقدسه ومن بعدها جاء نابيلون قبل ان تصل البوارج الفرنسية والبريطانية التي كانت تعتبر هذا الشرق " مربط الفرس " لاطماعها في السيطرة والتوسع .
اما روسيا القيصرية فكانت جل اطماعها الوصول الى مياه البحر الاسود لان روسيا التاريخية كانت وحتى نهاية الثامن عشر تقع خلف نهر الدون وبعيدة عن شواطيء البحر الاسود المغريه .
وهنلك قول للقيصر الروسي بطرس الاكبر وهو ان من يسيطر على مداخل البحر الاسود والمتوسط يسيطر على العالم .
وهذا هو سبب اصرار روسيا القيصرية الوصول الى شواطيء البحر الاسود والقيام بعمليات القمع والطرد الجماعي للقفقاسيين من الشواطيء الشرقية لبحر الاسود .
ان اغراءات هذه المنطقة بموقعها الحيوي كانت اكبر من اغراءات الموارد التي كانت فيها
وقصة زرع اسرائيل وحمايتها بكل الامكانات معروفة و لا تحتاج الى تكرار او اضافه .
لكن التغيرات الدولية التي صاحبت سقوط النظام الاشتراكي وغياب توازن الاقطاب اوجد معايير ومعطيات جديده استطاعت دول اوروبا التعامل معه والتلاؤم بشانه اما الدول العربية فلم تكن قياداتها جاهزة للتعرف على ماهية تلك التغيرات العميقة فما بالك بالتعامل معها والتلاؤم مع نتائجها .
وبما ان نهاية حلف وارسو كان لا بد ان يصاحبة اختفاء لحلف الناتو الذي كان متواجدا بكثافة في اوروبا وفي تركيا بسبب التحدي العسكري السوفياتي فان غياب الاتحاد السوفياتي ابطل ضرورة وجود الناتو وخصوصا قواعدة في اوروبا و حول روسيا السوفياتيه .
وكان ظهور المنظمات الارهابية "الاسلامية" كجماعة القاعدة وبقوة في ذات الوقت كان المبرر لبقاء القوة الاطلسية التي كان الاوربيون ينادوا ياختفائها في بداية التسعينات من القرن الماضي .
ودون الدخول في جدل ما اذا كانت تلك الجماعات " الاسلامية " كانت مدفوعة الاجر للظهور او انها جاءت عفويا نتيجة ظروف مختلفة فان المبالغة في ابراز خطر تلك الجماعات دون التصدي الجاد لها ان لم اقل على العكس بل تشجيعها اوجد المبرر " الاستراتيجي" للاحتفاظ بحلف الناتو .
اما حروب يوغسلافيا فكانت سببا اضافية لبقاء الناتو قويا في اوروبا وخارجها امام غياب تام لتجمع قوى عسكري يحفظ التوازن في المقابل .
ومعلوم تطور الاحداث والازمات الحقيقية والمفتعله اللاحقة التي كانت تضيف لحلف الناتو اهمية وضرورة لحفظ الامن الاوربي بشكل خاص .
وامام ظهور القوة الاحادية وعجز الانظمة السياسية العربية عن التفاعل واستيعاب المتغيرات الاقليمية والدولية بخلاف بقية دول العالم فكان لا بد لهذا العالم ان يدفع ثمن وقوفة في اخر طابور التغيرات واستيعاب الدروس .
احتلال الكويت من جانب نظام صدام حسين في اب 1990 في مرحلة بداية ظهور القطب الواحد كانت اضافة لاخطاء اخرى كانت مغامرة خاسرة سلفا.
فاو قامت تلك المغامرة عامين او ثلاث قبلها لربما كانت النتائج مختلفة و لربما حقق التظام العراقي وقتها بعض المكاسب لان توازن الاقطاب كان موجودا وفعالا على الارض
ان كارثة احتلال الكويت لم تشكل الدرس الكافي ليقوم ذلك النظام والانظمة المشابهة الاخرى بالتلاؤم والتغيير المناسب بل صارت تتصرف "كان سيئا لم يكن " كما لو ان الاتحاد السوفياتي لا يزال يحكمة ليونيد بريجنيف او نيكتا خروتشوف و ليس بوريس يليتسين الذي لم يستطيع حتى حماية الاقليات الروسية ذاتها في دول الجوار الروسي .
ان غياب الرؤيا السليمه والقراءة الصحيحة للمتغيرات الدولية عند غالبية الانضمة العربية هي السبب الرئيسي للكوارث التي تعيشها المنطقه .
قد يقول قائل ان المؤمرات الدولية تصاعدت وان الدسائس كثرت وان العمرء والخونة زادوا وهم سبب كل هذا البلاء .. واقول حتى لو كان ذلك كلة صحيحا فاين دور الحكام والانظمة اليس من واجبهم حماية دولهم وحفظها من الدسائس والمؤمرات اليس صاحب البيوت هو المعني بان يغلق الابواب والنوافذ بقوة ويؤمن الحراسة لمنزلة اذا كان يقطن في حي مليء باللصوص ؟.
تقول قولي هذا وانا اشاهد ان المؤمرات الخارجية والتهاون الداخلي عن قصد او دون قصد قد نجحت في تقطيع اواصر الدول والمجتمعات العربية ونجح برنامج الصراعات الاهلية على اساس مذهبي وديني وقومي وعشائري .. وهو الان يتجة لقطع وتفتيت اواصر الدولة الواحده على امتداد العالم العربي في رواج هائل لاسواق السلاح بانواعه .
ان هناك مخطط قديم جديد وهو الهاء شعوب المنطقة والشرق عموما بعضها ببعض فقد نجح الجزء الاول من البرنامج بتاجيج الصراعات والحروب الاهلية الداخلية بين الدول او داخلها فمن ليبيا الى اليمن الصورة ماساوية ومرشحة للتمدد والانتشار .
نجح مخطط تاجيج الصراع المذهبي والقومي تحت اغراءات " الفرصة السانحة لان الطرف الاخر ضعيف " هذا الشعار البراق الزائف اعرى الكثير من القيادات المحلية بالشروع في تحقيق مخطط الفتنه .
نجح المخطط في جر ايران الى ازمات وصراعات المنطقة فانزلقت بقوة في انهاك نفسها سياسيا واقتصاديا وعسكريا كما جرى في المقابل فتح معارج وجبهات لانهاك دول الخليج العربي لتصبح طرفا في تلك الصراعات المكلفة ماديا وسياسيا ومعنويا .
وبغياب صوت متعقل مقبول يقوم بدور الوساطة ويحاول تخفيف التوتر ويزيل الغشاوة عن العيون فان الصراعات تتزايد والانقسامات والانشطارات تتضاعف .
هناك مخطط قديم من اعداء " هذا الشرق الجميل " لضرب روسيا بجارتها تركيا هذا المخطط عمرة مائة عام كان يظهر ويختفي من وقت لاخر ... و يبدو حان الوقت لدفعه نحو المسرح .
ان حادث اسقاط الطائرة الروسية فوق المنطقة الحدودية مع سوريا ليس الا عمل خطير يدفع نحو تفعيل برنامج الاقتتال بين شعوب الشرق .
لا اريد الدخول في حيثيات ما اذا كان من الحكمة اسقاط الطائرة الروسية بهذا الشكل او ربما دفع قائدخا للهبوط اضطراريا او ما اذا كان قائد الطائرة كما تقول الرواية التركية رفض الانصياع للتحذيرات او او . الا ان العمل بحد ذاته يعتبر صفعة لروسيا لم تكن تركيا بحاجة ان تلطم روسيا بهذا الشكل او في هذا الوقت .
هل هناك قوى اطلسية دفعت انقرة للتصعيد بحجة سيادة الاجواء ام ان قوة اخرى دفعت روسيا للتحدي ؟ ليس هو الاهم الان لكم الاهم ان غياب الحكمة في التعامل مع المسالة سيدفع المنطقة الى فتنة كبيرة وخطيرة تاخذ الاخضر واليابس وتنقل الصراعات الدولية والمماحكات الاطلسية مع روسيا الى ميدان الشرق الاوسط المليء بعبوات الانفجار الجاهزه . استطيع ان اقول بان غياب الحكمة لدى القيادى الروسية والتركية سيعني نجاح خطة الفتنة الاكبر نحو اغراق هذا الشرق بحروب لا تبقي ولا تذر .
ان الوضع بحاجة الى جهة تستطيع التوسط ولها الكفاءة والمصداقية لدى كل من موسكو وانقرة – لكنها مع الاسف غير موجودة في الوقت الحاضر ...مما يعطي مؤشرات تشاؤمية
خطبرة وخطيرة جدا .
اما عن الاردن – فلكي لا يكون " العرس عند جيرانه" وبدل ان تضع اليد في الاذن لكي لا تسمع الانفجار الذي يسمعه القاصي والداني فلابد لها ان تتعامل بطريقة تتناسب مع خطورة الحدث .
ولكي يمكن تجنب ما يمكن تجنبه فانه اصبح حتميا تشكيل حكومة " ازمات" تتعامل مع التطورات بكفاءة استراتيجية عاليه وربما مطعمة بكفاءات من العسكريين السابقين المجربين والسياسيين اصحاب الرؤى والكفاءة والعلاقات الاقليمية والدولية ومعرفة التعامل بشجاعة مع التغيرات .
ليس من العيب ان يجري تجميد عمل مجلس النواب وانهاء العبث الداخلي والتناحر الحزبي والفئوي وحزم الامور على اساس ان الامن الوطني فوق كل اعتبار وان الضبط والربط هو تحصين للمجتمع ورفع لوتيرة الحس الوطني لدى ابنائه .
اذا وصلت النار الذي تحرق جارك الى بوابة منزلك فربما يكون استدعاء الدفاع المدني عندها متاخرا .

* الرواشده دبلوماسي ومدير مركز دراسات استراتيجية.