النشامى .. هزيمة أم خسارة !
محمد حسن التل
20-12-2025 07:50 PM
قبل الدخول في الحديث عن الإنجاز العظيم الذي حققه منتخبنا الأردني لكرة القدم "النشامى"، لا بدّ من الإشارة إلى بعض ما سمعناه على هامش هذا الإنجاز ، فقد استغلّ البعض هذا الالتفاف الجماهيري الجارف حول شباب المنتخب لممارسة طرح شعاراتهم الباهتة أمام الأردنيين، والمزاودة عليهم، وحاولوا فتح مواضيع ملّها الأردنيون بل لفظوها، مثل قصة الدفاع عن الوحدة الوطنية والهوية، ولا أعرف كيف سمح البعض لنفسه أن يقول إن هذا الإنجاز الكروي أكد الوحدة الوطنية، وكأن وحدتنا كانت موضع شك وكأن ملايين الاردنيين الذين هتفوا للنشامى من عمان واربد والسلط والكرك والمفرق وكل المدن والقرى والبوادي والمخيمات وعشرات الآف الذين سافروا الى الدوحة،كانوا يفكرون في شعارات تجار السياسة ونقاشاتهم، وآخر يقول إن هذا الإنجاز أبرز هويتنا الوطنية، وكأننا كنّا بحاجة إلى مسابقة رياضية لإبراز هويتنا.
لا يكلّ هؤلاء عن محاولة فرز الأردنيين حسب برامجهم وأمنياتهم ومشاريعهم التي في رؤوسهم، والتي يظنون أنها ستوصلهم إلى ما يريدون من مكاسب شخصية لا تتعدّى غاياتهم الصغيرة.
ما حدث في دورة كأس العرب إنجاز لشباب أردني لم يلتفتوا يومًا إلى أقاويل هؤلاء، وقاتلوا على الأرض تحت العلم الأردني، وانتزعوا نتائج مشرّفة وإن خسروا النهائي، فهذا هو القدر وهذه كرة القدم.. فمعارك كرة القدم لا تُقاس نتائجها دائمًا بعدد الأهداف المسجّلة، فهناك فرق كبير بين الهزيمة والخسارة؛ فالأخيرة قد تكون في النتيجة، أمّا الهزيمة تكون بالإستسلام وفقدان الروح.. لكن منتخب “النشامى” في بطولة العرب أثبت أن الإنجاز لا يُختزل في كأس تُرفع، بل في أداء يُحترم ومسيرة تُلهم.
دخل النشامى بطولة العرب وسط منافسة قوية تضم منتخبات ذات تاريخ طويل وإمكانات كبيرة، ومع ذلك ظهر المنتخب الأردني بروح قتالية عالية وانضباط تكتيكي لافت، قد لا تكون النهاية كما تمنّاها كل أردني، لكن ما قدّمه اللاعبون في الملعب كان رسالة واضحة بأن الأردن أصبح رقمًا صعبًا في المعادلة الكروية العربية.
تميّز أداء النشامى بالروح الجماعية، والالتزام، والإصرار على مقارعة الكبار دون خوف لأنه أصبح منهم،، كان النشامى يقاتلون حتى الدقيقة الأخيرة، يقدمون نموذجًا مشرّفًا لكرة القدم القائمة على العزيمة لا على الأسماء فقط .. وهذا بحدّ ذاته إنجاز يُحسب، لأنه يعكس تطوّر الكرة الأردنية وقدرتها على المنافسة بثبات.
إن الخروج من البطولة لا يعني الهزيمة، بل قد يكون خطوة في طريق البناء والتعلّم ، فقد كسب النشامى احترام المتابعين، واكتسب اللاعبون خبرة ثمينة ستنعكس إيجابًا على الاستحقاقات القادمة، والأهم من ذلك، كسب المنتخب ثقة جماهيره التي رأت في هذا الأداء وعدًا بمستقبل أفضل.
في النهاية، يبقى النشامى مثالًا على أن الخسارة في مباراة لا تعني الهزيمة، وأن الإنجاز الحقيقي هو أن تخرج مرفوع الرأس وقد زرعت الأمل في قلوب شعبك. فهكذا تُبنى المنتخبات، وهكذا تُصنع الإنجازات
غير أن دعم هذا المنتخب لا يجب أن يبقى أسير العاطفة ولا رهين لحظة الفرح أو نشوة الإنجاز، الدعم الحقيقي يبدأ بالتخطيط، ويستمر بالعمل المؤسسي، ويُترجم بتوفير بيئة إحترافية مستدامة تليق بما يقدّمه هؤلاء اللاعبون من تضحيات. وهنا يبرز الدور المحوري للقطاع الخاص، الذي لا ينبغي أن يتعامل مع المنتخب كحالة موسمية، بل كشريك وطني يجب دعمه بلا حدود، عبر الرعاية، والاستثمار، وبناء الأكاديميات، وتوفير الإمكانات التي تضمن ديمومة النجاح فالإنجازات لا تُبنى بالهتاف وحده والعواطف، بل بدعم حقيقي يرى في الرياضة مشروعًا وطنيًا طويل النفس، لا مناسبة عابرة تُطوى بانتهاء البطولة.
النشامى قاموا ويقومون بواجبهم لكن الكرة الآن في مرمانا جميعا فهل نكون على قدر المسؤولية ونرتقي إلى عظمة الإنجاز الذي قدمه لنا هؤلاء الشباب؟!!