facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كلاسيكيات : فلم عروس النيل هاميس


فراس الور
09-03-2016 06:11 PM

كان يا مكان في قديم الزمان في عصر الممالك الفرعونية العتيقة فرعون عظيم يحنو على شعبه المصري البسيط و المعطاء بالعطف و الدراية و المحبة الصادقة، و ازدهرت في تلك المملكة الزراعة على ضفاف النيل العظيم حيث كانوا المزارعين بعملهم اليومي الدؤوب يؤمنون قوتهم مما توفره غلال الأرض الخصبة و النضرة، و كانت اهراءات القصور الفرعونية الكبيرة و مخازن الدولة ممتلئة من حبوب القمح الناضجة مما يوفر لها مخزون استراتيجي لأشهر طويلة قادمة حيث كان الكل ينعم بهداوة البال بأن إله النيل الجبار الذي كان يسكن غوره العميق مسرور من الفراعنة و حضارتهم الكبيرة و المزدهرة، و حتى عندما كان يفيض ضفافه كانت تُرْفَعْ الصلاوات بكل خشوع و مهابة من عنفوان قدرته لكي يكافيهم هذا الإله شره و لكي ينعموا بالهدوء اللازم ليعاودوا زراعة ضفافه من جديد،

و لكن في يوم من الأيام حدث الغير متوقع، فمع حلول بعض الجفاف و القحط الموسمي تراجع مستوى هذا النهر العظيم و انخفض منسوبة جدا، فاجتمعت اعداد غفيرة من أهل مدينة فرعونية مع بعضها البعض للبحث بأسباب انخفاض منسوب هذا النهر، و بعد طول نقاش فشلوا بالوصول الى نتيجة مرضية لهذه المشكلة مما جعلهم يتوجهوا الى معبد يسكنه كبير الكهنة في مدينتهم الكبيرة، و اسشاروه بأمر هذا النهر بمنسوبه الذي اضحى خجول مع جبروته المعهود، فابتسم لهذه الحادثة و قال لهم بأنه بحاجة لبعض الوقت لكي يستشير هذا الإله بهذه المشكلة، و غاب بضعة ساعات انتظره خلالها الجمع بكل صبر ضارعين الى آلهتهم بأن يخرج الكاهن بحل يُرْضِي به إله النيل، و بعد طول غياب خرج الكاهن من معبده و قال بأن الإله يشعر بالوحدة القاتلة، و هو بحاجة لإمرأة انسية لتؤنس وحدته، فذهب الجمع مع الكاهن الى الفرعون و أخبره الكاهن بضرورة اعلان طقس عروس النيل لإرضاء إله النيل الذي اصبح وحيدا و حزينا من دون خليلة تؤنسه بوحدته، فبارك الفرعون طقس عروس النيل و ابدع الكاهن تفاصيل هذا الطقس الجديد، حيث أصبح منذ تلك اللحظة من الشرف في المملكمة الفرعوينة لصَبِيَة عذراء بأن تتزين بأحلى الحُليْ و العطور و الذهب و بأن تُزَفً زَفًة العروس لِزَوْجها بكل بهجة الفرح المعهودة لهذه المناسبة مع الأهازيج الموسيقية و الضحكات المُوَدِعَة، و في نهاية الطقس تُلْقي العروس ذاتها بالنهر لتلاقي حبيبها و زوجها إله النيل، و مع مرور الأيام أصبح من الطبيعي أن يقام هذا الطقس مرة في الشهر لكي يرضى إله النيل عن الحضارة الفرعونية و يحافظ على منسوب المياه، و بعض فترة زمنية من اقامة الطقس تدفقت الأمطار فوق مصر مرة ثانية و عاد منسوب النهر الجبار الى مستوياته المعهودة و عاد هديره القوي يملئ احياء المدن الفرعونية من جديد...

هذه الرواية هي اسطورة عروس النيل...اسطورة حزينة الى حد مُعَيًنْ و لكن تروي تَعَلُقْ الشعب المصري القديم بهذا النهر الكبير و مدى تأثيره على حياتهم في البُعْد الديني و الإجتماعي...لدرجة أنهم دفعوا وبحسب ما ورد فيها ببناتهم للزواج به كإله يؤثر عليهم و على محاصيلهم بغضبه و سروره...و بقيت هذه الرواية جزءا لا يتجزء من التاريخ الفرعوني حيث ساد هذا الإعتقاد لمئات من السنين و توارثته الأجيال المتعاقبة الى أن تمكن علماء الأثار من فك رموز اللغة الفرعونية و الإطلاع على الكتابات الهيروغلفيا التي تزين جدران و معابد مدن مصر العتيقة في بدايات قرن العشرين، فتبين أن عروس النيل عبارة عن اسطورة من وحي الخيال ليس إلا...

أقرب تفسير لهذه الأسطورة و نشأتها يحمله الينا مؤرخ و كاتب يوناني و كاهن (46 الى 127 بعد الميلاد) اسمه (Plutarch)، و يلفظ اسمه بلوتاك، و هو مؤرخ و أديب متؤثر بفلسفة ارسطو و تلميذه (Plato)، و قد عاش هذا الكاهن و المؤرخ جزءا من حياته كرحالة بين مصر و اليونان و حيث قضى وقتا ايضا في روما قبل أن يستقر في (Delphi) و يُرْسَمْ كاهن فيها، و تناول في كتاباته عن مصر قصة شبيهة بأسطورة عروس النيل حيث ذكر أنه مر زمن في تاريخ مصر الفرعونية رأت به هذه المملكة مياه النيل تنخفض فعلا، مما جعل فرعون تلك الحقبة يأمر بتهيئة ابنته بحركة عفوية و جريئة لكي تُقَدم للنيل كتقدمة لإرضاءه لكي تعود المياه الى المستويات السابقة، و فعلا نفذ الأمر بإبنته، و لكن يذكر المؤرخ بلوتاك أن بعد رحيل ابنته دخل فرعون بحالة حزن كبيرة جدا عليها، و بعد مرور بضعة ايام ذاق بها طعم الندم الكبير على فعلته رمى بنفسه في النيل وراء ابنته، فلم يستطيع تحمل صدمة فقدان ابنته، و يبدو أن هذه هي الحادثة الوحيدة التي تم تقديم ضخية من خلالها لإرضاء إله النيل العظيم في الحقبة الفرعونية، فالذي يبدو أنه عاشت هذه الرواية في ذهن الناس لفترة زمنية معينة حيث انبثقت منها اسطورة "عروس النيل" التي وصلتنا من تلك الحقبات القديمة الى ايامنا هذه و كانت سبب انتاج رائعة فلم "عروس النيل" بالسينما المصرية،

فلم عروس النيل مُؤَسًسْ على الأسطورة الذهبية، و هو من انتاج (مع حفظ الألقاب) رمسيس نجيب سنة 1963 و اخراج فطين عبدالوهاب و من بطولة رجدي اباظة و لبنة عبدالعزيز مع كوكبة لامعة جدا من الفنانين، يذهب بطل الفلم المهندس سامي الى منطقة الأقصر بتمويل من شركة حفريات للبحث و التنقيب عن المشتقات النفطية و الغازية النفيسة و الكامنة في باطن الأرض، و أثناء سفره يلتقي مع دكتور في الاثار مهتم بإيقاف الحفريات بالمنطقة للحفاظ على هذا التراث الإنساني النفيس، و تبدء سلسلة من الخوارق بإعتراض عمله بصورة قوية، فمن الآليات التي تختفي الى حادثة مريبة لطمر بئر كانت الشركة قد حفرته في الفترة السابقة تتوقف أعمال الحفر بالمنطقة، تبدء القوة العمالية للمشروع بالإنسحاب ايمان منها أن هذه الظواهر الغريبة سببها لعنة الفراعنة، و بالرغم من رغبت المهندس سامي بجلب آليات آخرى و وضع حراسة عليها إلا أن العمال بالمنطقة يرفضوا التعاون معه بصورة مطلقة، و يلتقي سامي مع الظاهرة الأغرب بهذه الرواية...فبحادثة صادمة يرى طيف لإمرأة فجأة في جَلَدْ السماء من فوق يتراقص بين اشعة نَيِرْ الغروب الذهبية...فظن أنه يهذي لبرهة من الزمن و لكن ليراه مرة ثانية يجري أمامه بين الاثار الفرعونية الخالدة...لحقه لبعض الوقت و لكن اختفى عن انظاره ليترك ذهنه يسرح بين الإحتمالات لما عسى ان يكون ما صدافه بعمله،

يتضح لسامي أن الطيف هو لإلهة فرعونية اسمها هاميس تحاول الإتصال به و التعامل معه مباشرة، فيفرض عليه هذا الواقع التحدث معها مباشرة حيث تبدء بالظهور له و هو بين الناس بالمجتمع، و لكن الكارثة تكون أن هاميس غير مرئية للبشر و لا يستيطع أحد رؤيتها إلا سامي، فحينما يكلمها يتضح للناس أنه يكلم نفسه، يُصْدَمْ سامي من ظهور هاميس العشوائي حيث تظهر له في اثناء وظيفته و اثناء تواجده مع خطيبته و صديقه ليكلمها مباشرة مما يجعل المحيطون به يظنون أنه يُجَنْ، يكره سامي هاميس في بادئ الأمر جدا حيث تسبب بعيد ميلاد حبيبته المشاكل له و للمدعوين، لذلك يكرهها في بادئ الأمر و لكن مع مرور الوقت تتحرك مشاعره و احاسيسه تجاهها، و يكتشف بأنها تبادله نفس المشاعر و الأحاسيس لتبدء قصة حب كبيرة بينهما و تتطور وسط هذه الأحداث الكوميدية، فحينما يصلوا المقربين منه لنتيجة بأنه مجنون يضعوه بمستشفى للأمراض النفسية بكل تسرع و عدم تروي، و لكن تأتي الإلهة اليه و تساعده بالهروب بعد أن تُبْرِمْ مع سامي إتفاقية، فتطلب منه التوقف عن اعمال الحفر في مقبرة العرايس مقابل أن تطلب من أتون إله الشمي والدها الإذن لكي تظهر للناس كإنسية ليصدق المحيطون بسامي بأنه غير مجنون، و تبدء منذ هذه اللحظات مشاعر و احساسيس سامي بالفتور نحو خطيبته لتصبح هاميس جوهر قلبه و حياته،

يمر الأبطال بلحظات رومنسية حميمة حيث يوافق والد هاميس لها بالظهور وسط الناس و يقرر سامي المكوث بالقاهرة و الإبتعاد عن الأقصر لكي يعيش مع حبه الجديد، و تعيش هاميس بين احضان سامي ايام عاطفية ذهبية حيث يتبادلا كلام الحب و اللحظات العاطفية التي تجمع قلوبهم مع بهض بحب لا رجعة عنه، و يتفقا أن تتكلل قصة الحب بينهما بالزواج مع مرور الوقت، و لكن وسط هذه الايام الذهبية بلحظات العشق السُكَرِيَة التي جلبتها يأمر أتون هاميس بالعودة الى عالمها الإلهي التي انحدرت منه، فتحزن لميس جدا لهذا الأمر حيث ستغادر عالم الحب الجميل التي عاشته مع عشيقها...و قبل أن تغادر عالم البشر تستلم لفراش حبيبها و تسكن ليلة بين ذراعيه التي ستنحرم منهما قريبا، و يصحو سامي بالصباح ليجدها قد بارحت عالمه تراكة ورائها رسالة "هاميس : الحب و السلام "، فيقرر سامي على إثر اختفاء هاميس العودة للأقصر مرة ثانية لتكتشف بعثة الحفريات تابوت هاميس في نفس الموقع الذي كان يحفر به، فيقرر اعلان رسالتها لعامة الناس...ينتهي هذا الفلم الكوميدي و الخيالي بعد أن تظهر هاميس بحياته مرة ثانية،

ربما مَيِزَةْ هذا الفلم أنه يحمل رواية فريدة من نوعها، فإنها قصة بسيطة خيالية استخدم المخرج وقت تصويرها الخدع السينمائية و البصرية بصورة راقية ليضع المُتَفَرِجْ في قلب خيال الكاتب اثناء صنع هذه التحفة الدرامية، عروس النيل هو قصة حب ابتدأت و تطورت وسط احداث كوميدية و انتهت بصورة سعيدة بإجتماع العشيقين معا...و لكن الذي جعلها مميزة هو العالم التي انحدرت منه البطلة و قدرة المخرج و فريق العمل على تجسيد هذا الواقع للجمهور بالفلم بصورة تبتعد عن الإستخفاف بالمشاهد و السذاجة التي نراها في الكثير من الأحيان بأعمال درامية حديثة...فلم عروس النيل يستند على اسطورة تناقلتها الأجيال منذ عتقية الزمان الى أوأئل قرن العشرين ظنا منها أنها رواية حقيقية...و عندما ثبت بالبراهين العلمية أنها اسطورة لم تفقد جمالها و بريقها الخيالي فأغوت فريق العمل المبدع بتناول موضوعها كما أغوت هاميس سامي بالفلم و قررأخراجها الى حيز الوجود من خلال عدسة الكاميرا و عالم الدراما...لنشاهد عالم الخيال الجميل أمامنا على الشاشة...فَهَاميسْ الحب و السلام ابتدأت اسطورة و عاشت خيال في عقل الناس و انتهت احداثها مع كلمة النهاية على شريط السينما التي جسد تفاصيلها بكل روعة و إتقان...و توته توته توته خلصت الحدوته...النهاية...





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :