facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




على مائدة صفية


بلال حسن التل
14-08-2016 09:19 AM

... وصفية المقصودة في هذا المقال هي السيدة صفية السهيل، سفيرة العراق لدى الأردن، والتي استطاعت أن تمزج في قلبها مكونات لمعادلة صعبة مكنتها من الجمع بين حبها للعراق الذي ولدت فيه، وحبها للأردن الذي ترعرعت وكبرت فيه، وفي مدارسه وجامعاته تعلمت أبجدية الحرف وأبجدية السياسية، وأبجدية الوفاء. فمثلما لم تنسها سنوات الغربة وطنها العراق فظلت وفية له، عاملة من أجله، فإن عودتها إليه كإحدى قياداته ورموزه السياسية والاجتماعية لم تنسها وطنها الأردن، واستمرار الحنين إليه واسترجاع ذكرياتها في المدرسة والجامعة، وأمسيات جبل عمان ومعالمه من مدارس ومساجد وكنائس ومؤسسات ومطاعم، التي شكلت مكونا مهما من مكونات وذاكرة وشخصية صفية الإنسانية، التي لم تثلم المناصب شيئا من إنسانيتها وبساطتها، مثلما لم تنسيها سنوات الرخاء شيئا من عذابات سنوات المحنة والقلق، فظلت وفية لوطنها العراق، فإن السنوات العراقية وبريق الزعامة لم ينسها وطنها الذي احتضنها أعني الأردن، وهي بهذا المزج بين حبها لعمان وحبها لبغداد تشكل جسراً ذهبياً لبناء أمتن العلاقات وأكثرها إنسانية بين هذين المكونين الرئيسيين من مكونات الهلال الخصيب، الذي يجمعنا بكل ما فيه من تداخل جغرافي وتاريخي وثقافي، لنكون قوة قادرة على المساهمة بفاعلية في مسيرة التدافع الحضاري وفي عملية إنقاذ البشرية من هذا الخطر الذي يهدد أجناسها وأعراقها وأديانها والمتمثل بخطر التعصب والإرهاب.

أما المائدة فهي التي أقامتها السيدة صفية السهيل تكريما للوفد الشعبي الفلسطيني، الذي جاء إلى عمان حاملاً تبرعات كريمة من أبناء الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الصهيوني وإرهابه، لمساعدة إخوانهم من أبناء العراق الذين أجبرتهم محنة الإرهاب على اللجوء إلى عمان، في لفتة تمثل أعظم ما في أبناء هذه المنطقة من خصال وقيم تربوا عليها، هي قيمة الإيثار التي امتدحها قرآننا الكريم بقوله تعالى «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة». وهذا هو بالضبط ما فعله الفلسطينيون الذين رغم مافيهم من فاقة، وما يعانونه من حصار عسكري وسياسي واقتصادي فقد تنادوا، فجمعوا من جيوبهم على قلة ما فيها ليساندوا إخوانهم من أبناء العراق العظيم في محنتهم مع الإرهاب.

كثيرة هي دلالات المبادرة الفلسطينية لمساندة الإخوة العراقيين المتواجديين في الأردن، وأولها قيمة الإيثار التي طالما كانت سبباً في إحداث تحولات تاريخية كبرى، مثلما كانت سبباً في تحقيق انتصارات كبرى أيضا، وقبل ذلك وأهم من ذلك أنها شكلت دائماً أساساً صلباً لقيام علاقات إنسانية راسخة ومتينة بين الأفراد والجماعات.

ومن دلالات هذه المبادرة الفلسطينية، بروز قيمة الوفاء والاعتراف بالفضل، الذي سبق وأن قدمه العراقيون لفلسطين وأهلها، فعبر كل مراحل قضية فلسطين كان العراقيون إلى جانب فلسطين، فعلى كثرة ما تقلب على العراق من أنماط الحكم واتجاهاته ومدراسه ومذاهبه، فإن بوصلة الشعب العراقي لم تنحرف عن فلسطين، فخاض أبناؤه كل معارك فلسطين العسكرية وزينت مقابر شهداء العراق الجغرافيا الفلسطينية بالضبط كما زينت مقابر شهداء العراق الجغرافيا الأردنية شريكة المصير لفلسطين والعراق.

ومثلما خاض العراقيون معارك فلسطين العسكرية كذلك خاضوا معاركها السياسية ومعاركها الاقتصادية، وصار المال العراقي داعما رئيساً للفلسطينيين وصمودهم، مثلما صار العراق حاضناً للآلاف من الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى العراق بعد النكبة فوجدوا في العراق الحضن الحنون.

إن هذا الثبات لبوصلة الشعب العراقي نحو فلسطين سبب رئيس وكاف من أسباب الهبة الفلسطينية لمساندة العراقيين المتواجديين في الأردن والتضامن معهم. وقيمة هذه الهبة أنها تأتي من شعب يصطلي بنار الإرهاب، ومن ثم فإنه أقدر الناس على الإحساس بحجم الألم والمعاناة الذي يسببه الإرهاب لمن يكتوي بناره، مثلما هم العراقيون والفلسطينيون الذين يعانون من الإرهاب ومثلهم أهلنا في سوريا، وهي المعاناة التي تؤكد أنه لا دين ولامذهب ولاعرق ولا لون للإرهاب، فالذين يمارسون الإرهاب بحق أبناء فلسطين هم يهود جاءوا من العراق، ومن اليمن، ومن أفريقيا، ومن روسيا وأوروبا الشرقية والغربية، وأستراليا والأمريكيتين، وكذلك هم الذين يمارسون الإرهاب بحق أبناء العراق جاءوا من فلسطين ومن تونس ومن فرنسا وبريطانيا وسائر دول أوروبا الغربية والشرقية والأمريكيتين وأستراليا، وهي تركيبة تؤكد أن لا جنسية ولادين ولامذهب للإرهاب، مثلما تؤكد في الوقت نفسه إن الإرهاب خطر علينا جميعا، وأن علينا أن نتحد في مواجهته لإنقاذ البشرية من هذا الذي يهددها، بصرف النظر عن أدياننا ومذاهبنا وأعراقنا، تماما مثلما اتفق الجلوس حول مائدة صفية، فقد كنا عرباً وكرداً مسلمين ومسيحين، سنة وشيعة، كاثوليك وارثوذكس، ولكننا جميعا كنا نتحدث بلغة واحدة، ونشكو من ألم واحد، ونحذر من خطر واحد، ونتطلع إلى حلم واحد، هو خلاص منطقتنا من عذابات الإرهاب وعذابات الاحتلال، وأن يتمتع أهلها بما يتمتع به الأردنيون من أمن وأمان واستقرار، وأن تعمم التجربة الأردنية في التعددية والتنوع واحتضان الجميع من جميع أقطار المنطقة.

خلاصة القول هو أن مجمل الحديث الذي دار على مائدة صفيه، لا يجعلنا نقول ما قاله سعد زغلول لزوجته «لا فائدة يا صفية» بل على العكس من ذلك كان حديثاً يغذي الأمل ويشحذ الهمة، وهو الشحذ الذي جعل الفلسطينيين يتغلبون على حصارهم ويهبون لنجدة أهلهم العراقيين فوق تراب وطنهم في عمان عاصمة الوفاق والاتفاق.

الرأي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :