محمد الابراهيمي .. البحث عن النقاء وسط الوحول!
27-09-2008 03:00 AM
عمون - الحدود بين محمد الابراهيمي الإنسان، ومحمد الابراهيمي الفنان ضائعة، ولا يعرف المرء متى يبدأ الفنان ومتى ينتهي الإنسان. إنهما مختلطان إلى حدود بعيدة؛ ومن يتعامل مع الإنسان يتأسف على ضياعه في الفنان، أما من يتعامل مع الابراهيمي الفنان، فليس أكثر راحة.
دأب الابراهيمي على إعادة صياغة مشروعه الجامعي للتخرج وعرضه، وكان في كل مرّة، يذهب شوطاً أبعد في تأكيد عنوان مشروعه الموسوم "الخروج إلى الداخل"، حاصداً مع كل عرض جديد مزيداً من الثناء والإعجاب؛ والأهم أنه كل مرّة، يقدم عرضه ويكون له مذاق عرض أول مرّة.
مشوار الإبراهيمي الفني طويل ورصيده من الإعجاب الذي يحصده دوراً بعد دور، وعملاً بعد عمل، يفوق بلا شك الإعجاب الذي يناله أقرانه ممن حققوا نجومية واضحة، ولكن حظه من الشهرة رغم كثافة حضوره أقل بكثير من أغلب أقرانه، وأقل كثيراً مما يحصد من إعجاب. وربما المعضلة، هنا، تكمن في فنان تقمص الدور الذي يستهويه في الحياة، ووقع في أسره.
يجيد الابراهيمي أداء شخصيات متعددة. وهو في هذا المجال موهوب بلا شك؛ ولكن الشخصية التي تستهويه أكثر من غيرها، هي شخصية الإنسان الهامش المسحوق، الذي يذكر بمهرج البلاط الذي يتقي شرّ السلطة بالتهريج والتحول إلى مسخ يتلوّى بجسده وكيانه قالباً المواقف إلى مسخرة يصبح كل شهودها - مهما كان شانهم - جزءاً منها دون أن يدروا.
وأبعد من ذلك، فإن طاقة الابراهيمي الإبداعية في التمثيل مستمدة من قدرة لا محدودة على السخرية من الذات، وتحطيم أقانيم الاحترام، الذي يصبح - عنده - صنما وثنياً، لا يتردد في تحطيمه للوصول إلى الإنسان. الإنسان في أعماقه، وبعيداً عن زخرف الإضافات والمعايير الاجتماعية، إنه أقرب ما يكون إلى الهاجس الدستويفسكي بالبحث عن معدن الإنسان النقي والأصيل في الوحل وستنقع القاذورات. ومأثرة الابراهيمي أنه ينجح في ذلك دوماً مؤكداً نجاعة الوصفة الديستوفسكية.
لا شك في أن الابراهيمي فنان موهوب بحق. متعدد القدرات. ومتنوع في الأداء، ولا ينسى أحد أدواره المتعددة والمتقابلة؛ دوره في "الاجتياح" مثلاً مقابل دوره في "راس غليص". وأداءه في كل أدواره، حتى بالغة الجديّة منها، يشي بموهبة كوميدية غير مسبوقة، من شأنها وحدها، أن تضعه على أعطاف نجومية متفردة، تأكل كل من يقف أمامها مشاركاً.
عدا عن ذلك، فالسيرة الضائعة وغير المكتوبة للفنان الابراهيمي، هي في الإخراج. تلك القدرة التي لا يملك المرء إلا أن يتكهن بها مع كل ظهور له. مع كل مشهد يظهر فيه، إنها ذلك الإحساس الغائب بإيقاع الكوميديا .. بتقنياتها، بأدواتها، بغنى مواضيعها.
والابراهيمي، هنا، إن قيض له أن يتنكب مسؤوليات في مجال الإخراج، سيضع بصمته المميزة .. في أعمال تنطلق من الكوميديا السوداء وتنتهي إلى ضحك عميق طازج يفرّج عن القلب.
معضلة الفنان الابراهيمي الأولى والأخيرة، أنه غير مهيأ على نحو فطري لكسب ثقة المال .. فهو يبدده، ولا يمكن له أن يحظى بثقة إدارية، فهو لا يجد النظام في النظام.. بل مجرد عشوائية وغائية لا مبرر لها، والالتزام بالنسبة له حرية، وفي الحرية تحطيماً للقواعد والضوابط والضرورات الدنيوية؛ لذا فإن إمكانية رؤيته يقود إخراجياً مشروعاً تلفزيونياً تبدو كحلم بعيد المنال، وإن كان المرء يتمنى له التحقق بأقرب ما يمكن.