العلاقة الأردنية-الأمريكية: تحركات دبلوماسية أم قراءة منفعلة؟
د. سطام الشقور
22-12-2025 10:13 PM
تثير تحركات السفير الأمريكي في الأردن، في مناسبات عامة أو لقاءات ذات طابع اجتماعي وثقافي، نقاشًا متجددًا في الأوساط الشعبية والنخبوية، يتراوح بين التساؤل والانتقاد والتأويل. غير أن هذا الجدل، في كثير من الأحيان، يكشف عن تباين واضح في مستويات الفهم السياسي، أكثر مما يعكس طبيعة الحدث نفسه.
ففي المستوى الأول، وهو مستوى الرأي العام، تُقرأ هذه التحركات من زاوية عاطفية يغلب عليها الحس الوطني المشروع والقلق على السيادة، وهي مشاعر مفهومة في سياق إقليمي معقد وتجربة تاريخية طويلة مع السياسات الدولية. إلا أن هذا الفهم، بطبيعته، يبقى محدود الأدوات، ولا يحيط بكامل أبعاد العمل الدبلوماسي أو حسابات العلاقات الدولية التي تحكم سلوك الدول.
وفي المستوى الثاني، تبرز قراءات تصدر عن بعض النخب والكتّاب والمحللين، ممن يفترض فيهم تقديم تفسير أعمق وأكثر توازنًا. غير أن جزءًا من هذه القراءات لا يبتعد كثيرًا عن المزاج العام، بل يعيد صياغته بلغة أكثر تعقيدًا، أحيانًا بدافع الاصطفاف مع الرأي السائد أو تحقيق حضور إعلامي، على حساب التحليل الموضوعي الذي يتطلب فصل الانفعال عن التقدير السياسي.
في المقابل، يغيب عن معظم النقاشات مستوى ثالث، هو مستوى الدولة وصنّاع القرار، حيث تُدار السياسة الخارجية بمنطق مختلف كليًا. ففي هذا المستوى، لا تُبنى المواقف على ردود الفعل أو الاعتبارات الشعبوية، بل على معطيات دقيقة، ومعلومات متراكمة، وتقدير متوازن للمصالح الوطنية العليا، ضمن بيئة دولية وإقليمية شديدة التعقيد.
ومن هذا المنطلق، فإن التعامل مع تحركات السفير الأمريكي لا يمكن فصله عن طبيعة العلاقة المؤسسية التي تربط الأردن بـ الولايات المتحدة، وهي علاقة قائمة على المصالح المتبادلة، والتفاهمات السياسية، والتنسيق في ملفات متعددة، دون أن يعني ذلك انتقاصًا من السيادة الوطنية أو تجاوزًا لثوابت الدولة. فالأردن يدير هذه العلاقة من موقع الدولة العارفة بحدودها وخياراتها، والقادرة على الموازنة بين متطلبات الشراكة الدولية ومقتضيات المصلحة الوطنية.
إن تقييم هذه العلاقة يجب أن ينطلق من سؤال الجدوى والمصلحة: ماذا يحقق الأردن من انفتاحه الدبلوماسي؟ وكيف يوظف علاقاته الدولية في خدمة أمنه واستقراره ودوره الإقليمي؟ فالدول لا تُقاس مواقفها بحجم الضجيج المرافق لها، بل بقدرتها على إدارة مصالحها بهدوء وحكمة، وحماية استقرارها في محيط مليء بالتحديات.
وفي النهاية، يبقى النقاش العام صحيًا ومطلوبًا، لكنه يكون أكثر فاعلية عندما يستند إلى فهم أعمق لطبيعة الدولة ودورها، ويدرك أن السياسة ليست مجالًا للعاطفة وحدها، بل علم إدارة الممكن، وفن تحقيق المصلحة ضمن واقع دولي لا يعترف إلا بالدول القادرة على الفهم والتوازن وحسن التقدير.
الدكتور سطام الشقور/ جامعة مؤتة.