تفجيرات عمان: قراءات في الفكر والتخطيط والنتائج (1)
11-11-2008 02:08 PM
عمون - كتب د.يوسف الربابعة - لم تكن صالة الأفراح في فندق راديسون ساس مهيأة لاستيعاب ذلك الانفجار الهائل الذي هز الجدران وفرق أشلاء المحتفلين في ذلك اليوم الذي شكل صدمة عظيمة للناس والدولة ودوائر الأمن في الأردن.
جاءت التفجيرات رغم هشاشة هدفها وسوء تخطيطها لتعلن عن ثغرات أمنية لم تكن بالحسبان، ولم يكن توقيتها من باب المصادفة بقدر ما هو حلم لتخليد انتصار للقاعدة الجديدة التي تشكلت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتسلم الزرقاوي إمارتها، وقد أرادت القاعدة أن تسجل تاريخاً جديداً للقيادة الجديدة التي كانت تفتخر بتفجيرات الحادي عشر من أيلول 11/9، فحاولت أن يكون الانتصار الجديد في التاسع من تشرين الثاني 9/11 ، وفي اعتقادي فإن ذلك لم يكن من باب المصادفة بقدر ما هو استبطان لغزوة يعتز بها أنصار القاعدة ويعتقدون أنها امتداد لانتصارات المسلمين في بدر وأحد والخندق.
ويبدو السؤال الملح هنا في اختيار الأردن ليكون الهدف الأول للقاعدة الجديدة، ومن خلال مجموعة الملاحظات والقراءات حول نوعية هذه العملية والمخططين والمشتركين فيها يتجلى لنا السر بشيء من الوضوح، فالمُخطط الأول هو الزرقاوي الأردني، لديه الكثير من الدوافع الشخصية المرتبطة بتجربته وظروف سجنه الا ان ذلك لوحده ليس سبب اختياره للاردن فهناك بعد فكري وراء ذلك حيث يرى أن الإسلام لا يؤمن بالوطن والانتماء إليه، لأن الانتماء والولاء لا يكونان إلا لله وحده، وقد أراد الزرقاوي بوصفه القائد القدوة أن يبرهن لأتباعه صدق إيمانه بتلك الفكرة، فكانت البداية من بلده.
أما اختيار الأشخاص المنفذين من غير الأردنيين فربما يكون ذلك ناتجاً عن تخطيط أمني و نفسي محكمين ، الجانب الأمني يتمثل في تضليل الدوائر الأمنية التي تمتلك قاعدة بيانات كاملة وشاملة عن الأشخاص الذين يؤمنون بهذا الفكر داخل الأردن، ومن السهل اكتشافهم والتحقيق معهم، في الوقت الذي لم يكن فيه لدى الدوائر الأمنية قاعدة بيانات كاملة عن الأشخاص الذين ينتمون للقاعدة داخل العراق، ومن ثم يصبح من الصعب الوصول إليهم، وهذا ما حدث بالفعل فلولا وجود ساجدة الريشاوي المشتركة في التفجيرات لما كان من السهل حل لغز هذه التفجيرات، أما الناحية النفسية فإن أي شخص أردني حتى وإن كان يؤمن بفكر القاعدة فإنه سوف يتردد في القبول ولن يجد المبررات الأخلاقية الكافية لمثل تلك العمليات، أما الأشخاص الذين نفذوا العملية فيبدو أنهم معبؤون تعبئة نفسية جعلتهم لا يترددون لحظة واحدة في التنفيذ، ويظهر ذلك من خلال الحديث الذي دار بين ساجدة الريشاوي وأهل البيت الذين لجأت إليهم قبل تسليمها، فعندما سألوها مستغربين : كيف تفجرين نفسك في صالة أفراح فيها أطفال ونساء وشيوخ ؟ أجابت: ليذوقوا ما ذقناه. فقالوا لها: وما علاقة الشعب الأردني بذلك؟ قالت: إن الجيش الأردني قد شارك مع القوات الأمريكية في اقتحام الفلوجة وقتل أخي في ذلك الاقتحام.وهذا الحديث يشعرنا بحجم التضليل الذي تلقاه هؤلاء الأشخاص والمعلومات غير الصحيحة التي وردت إليهم .
ولا ندري هنا ما دور الإعلام في تلك المعلومات، وما دور الإعلام الأردني الذي كان يبدو ضعيفاً في تلك المرحلة ! وإذا كانت القاعدة الجديدة قد كانت تطمح إلى تحقيق نصر عظيم في تلك التفجيرات بقيادة الزرقاوي ليشابه النصر الذي قاده أسامة بن لادن في أمريكا، فإن الذي حدث على العكس تماماً، فقد خسرت القاعدة كثيراً من مبرراتها الأخلاقية، وخسر الزرقاوي صورته التي كان الشعب الأردني يراه عليها عن بعد، وهي قدرته على مواجهة الاحتلال الأمريكي وتشكيل خلايا للمقاومة، لقد بدا الشعب الأردني أكثر تلاحماً وتوحداً ضد هذه العمليات السيئة الذكر، حتى أنصار القاعدة أنفسهم لم يجدوا ما يدافعون به عن هذا العمل غير المبرر، فالتزموا الصمت ولم يبدوا أي تفاعل أمام الشارع الذي توحد لاستنكار وشجب ما قامت به القاعدة، كما أن المقدسي وهو المنظر الأول لهذا الفكر لم يقر بهذه العملية واعتبرها من باب التخطيط غير الجيد، أو حتى من باب التخبط لأنها لم تراعِ الأولويات في العمل الجهادي، ولم يستطع شجبها واستنكارها بشكل علني لأنه كان يخشى على صورته عند أتباعه الذين كانوا يعتبرون الزرقاوي مثلهم الأعلى.
إن تفجيرات عمان تبقى حالة دراسية لطريقة تفكير القاعدة وتحولاتها فيما بعد، أي فيما بعد الزرقاوي، وربما يكون ذلك.