facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عندنا .. منْ يسْرِقُ مَنْ؟!


أ.د عمر الحضرمي
10-02-2018 02:18 PM

في بلدنا، إذا ما سألت "السارق"، لماذا سرقْت؟! يذهب بك إلى "مطرح" بعيد، ويقول لك بكل وقاحة: أنا أخذت حقّي! ومن بين عشرة من هؤلاء السارقين تجد تسعة منهم يتحدث بكل صَلَف، أنه لم يترك باباً إلاّ وطرقه حتى يجلب لأطفاله رغيف خبز أو حبّة دواء. وإن سألته أن يسمّي لك باباً من هذه الأبواب، يجيبك لم أجد وظيفة! وما أن تلفت نظره إلى أنّ هناك الكثير من إمكانات العمل غير الوظيفي، يرفض الاستماع إليك.

وهناك، على الطرف الآخر، تقرأ في رسائل تحليل هذه الطفرة الهائلة في محاولات الاعتداء والسرقة التي لم تعد تَطَال البنوك وحسب، وإنما كل صندوق فيه دينار أو درهم، تقرأ اسئلة قلقة تدور في جوهرها حول صِدْقية ما أصبح ملحوظاً، وهو أنّ هناك جوعاً بدأ يَدُب في مفاصل جسد المواطن، تطور إلى زيادة بيّنة في نسبة البطالة من حيث أرقامها ومن حيث وعورتها وشراستها.

الجهة المسؤولة هي التي يجب أن تحاسَبْ إن كانت الحكومة صاحبة الولاية العامّة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجيّة، أو إن كانت السلطة التشريعية التي يجب أن لا تقف عند حدود المراقبة والتشريع، وإنما من وظائفها الرئيسة والمهمة والجوهرية، هي متابعة شؤون الناس. فبالرغم من الإقرار بأن النائب له حقوله التي يتحرك ضمن حدودها، إلا أنه يجب أن يعلم تماماً أن وصوله إلى المجلس كان بصوت المواطن الذي لولا هذا الصوت ما كانت هناك عملية ترشّح أو انتخاب، أو حتى كل العملية التمثيلية برمتها. وعليه فإن المواطن، بالممارسات الجارية، أصبح مركوناً في زوايا مظلمة من الظلم والإهمال وعدم الاهتمام.

وأكثر من ذلك بات هذا الإنسان عبارة عن ورقة تلعب بها الرياح المتدفقة من كل صوب، فساعة هي بين فكي الموت، وساعة أخرى هي بين أسنان وحوش الدنيا تطحن هذه الورقة المرتجفة المرعوبة، ويومًا ثالثًا هي مهروسة تحت أقدام القهر والعوز والمرض والحاجة.

بعد هذا يطِلّ السؤال من وراء الجدران الرمادية المائلة إلى السواد التي تُسِوّر المحيط وتَحْبس الناس، ذلك السؤال الذي يقول "مَنْ يَسْرِقُ مَنْ؟" هل السارق هو ذاك الذي جُففت كل منابع العيش أمامه وأمام الناس، فبذلك سُرِقت منهم أعمارهم؟ أم هو ذلك المرء الذي تعدّى على حقوق الآخرين، ونهب ممتلكاتهم؟ أم هم أولئك الذين تعدّوا على حقوقه، وخبأوها في جيوبهم، أو توزّعوها بين أفراد الزمرة التي هي عبارة عن "سارق" كبير؟ هل السارق هو ذلك الفرد الذي استسهل النهب، واستساغ أكل الحرام، لأنه في الأصل كبر وترعرع في بيئة موبوءة مملؤة بالجراثيم القاتلة، فلذا هانت عليه الجريمة، ولم تعد قيم الأمانة والاستقامة والشرف ولا الدين تعني عنده شيئاً؟

ومع كل ذلك فإن السارق يظل سارقاً، والذي يدفع هذا السارق كي يصبح سارقاً يظل هو سارقًا أيضًا. فالخلل في المجتمعات هو مسؤولية مشتركة يساهم في صناعتها منهج التربية والتعليم الفاسد، والمنهج الإداري الفاشل في مسؤولية حُسْن بناء نفسية الأفراد، والمنهج الثقافي المقصّر في إجادة التنمية الفكرية، والمنهج الأخلاقي الذي يتمثل، ابتداءً، بالتخلّي عن القيم والمفاهيم الشريفة وإهمال الشرائع السماوية، والمنهج القانوني الذي لا يُسائلُ كل الناس حكاماً ومحكومين، ومنهج الثواب والعقاب عندما ينحرف عن صلاحه وجدّيته ورشده، ومنهج العدالة عندما يُسيئ توزيع القيم السلطوية في الدولة، ومنهج الواسطة والمحسوبيّة، ومنهج إهمال أسس الكفاءة والقدرة، ومنهج التنفيعات للأقرباء وأعضاء الحلقات القريبة، ومنهج التعالي على خدمة الناس التي هي سر تولي المسؤول مسؤوليته.
إذن فإن قراءة معمّقة، وبحثًا صادقًا وجادًا، كلها ستوصلنا إلى إجابة مقنعة للسؤال الكبير مَنْ هو السارق؟ وما هي السبل التي يجب أن ننتهجها في سبيل إصلاح هذا الفساد في الذمم والأخلاق والسلوكيّات والممارسات.

في بداية بناء الدولة الحديثة في أوروبا، وذلك في منتصف القرن السابع عشر، انهمك المفكرون والفلاسفة ورجال الدين وفقهاء القانون، في وضع سلسلة من المبادئ والمُثُل، توافقوا بينهم على أنها تمثل الدروب الآمنة والمفضية إلى بناء المجتمع الراشد، الذي يمكن أن يمثّل حاضنة صالحة لحياة الإنسان الذي ملّكه الله جلت قدرته مقاليد إدارة حياته على هذه البسيطة. وقال جميعهم إن حياة الغاب تقوم في أساسها على عدم العدل، لذا فقد أكل القوي الضعيف. وحتى يخرجوا من هذه الظلمات وضعوا الشرائع القانونية مستندين إلى الموروث القديم الذي استلوه من رحم آلاف السنين قبلهم، وإلى الموصوف الذي وضعوه بعد فحص التجربة والخبرة.

في حالنا لابد لنا من إعادة قراءة الأشياء بصورة علمية وواقعية وموضوعية وبأمانة، واضعين نصب أعيننا هذه الحالة المتدهورة والمتمثلة في التزوير والقتل والسرقة والاعتداء والنهب والسلب، وملقين الضوء عليها في محاولة جادة لدراسة السبب الحقيقي دون أن نحاول خداع أنفسنا، ودون محاولة الاختباء وراء أحد أصابعنا، ودون أن نوجّه الاتهام إلى الآخرين. يجب أن ندرس الحالة بأنها نتيجة لسبب، فلابد إذن من معرفة هذا السبب، ولابد من وضع الحلول الناجعة، ولابد من أن تكون لنا الإرادة والجرأة على إعلان نتيجة هذه الدراسات، والإجابة على السؤال المُحيّر: "مَنْ يَسْرِقُ مَنْ؟".

ويظل القول قائماً حول أن بعضنا لا يعرف حدود المعقول في معيشته، حيث نجد هذا البعض يلجأ للاستدانة حتى يشتري سيارة فارهة أو يشارك في رحلة خارجية فاخرة، أو يحاول أن يجاري أصحاب الأموال بحياتهم. وعلى الطرف الآخر نرى أن هناك فساداً يتراكم فوق فساد محمي بأصحاب النفوذ، وهذا الفساد يأكل أقوات الناس وأرواحهم ويدمّر حياتهم، ويسقط على رؤوسهم الموت، ويدفنهم في تراب الحاجة. الطرفان يرتكبان الجرم تلو الجرم، وتنهار منظومة الحياة كلها حتى لم تعد تدري، مَنْ يَسْرِقُ مَنْ؟

المشكلة معروفة المعالم، ولكن المجهول هو السبب وراء عدم الجديّة في مواجهتها ثم معالجتها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :