facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قناة الجزيرة و«قطر» فى خطر .. يسري فودة


30-05-2009 05:34 PM

استقالتى من قناة الجزيرة لا تعنى أننى خاصمتها. ببساطة هى تعنى فقط أننى لا أريد أن أبقى رقماً فى معادلاتها الجديدة. إذا كان جانب منى حزيناً على فراق شاشتها، فإن جانباً آخر منى سعيد بانضمامى إلى مشاهديها. وإذا كان جانب منى يرجو لزملائى بها (هؤلاء فقط الصادقون المهنيون الذين يحترمون أنفسهم فيحترمهم الآخرون) كل التوفيق وكل النجاح ما وسعتهم الظروف، فإن جانباً آخر منى يدعونى إلى أن أتحمل واجبى ومسئوليتى تجاه نفسى وتجاه من أتوجه إليهم بما قدرنى الله عليه من عمل.

تجربة الحرية، بمعنى من المعانى، كتجربة الموت؛ فمثلما لا يستطيع المرء أن يزور الموت ثم يعود منه، لا يستطيع المرء أيضاً أن يزور الحرية ثم يعود منها. وقع عقلى على هذه الصورة الملهمة بينما كان هؤلاء الذين شاركوا فى تأسيس قناة الجزيرة (وأنا واحد منهم) فى نشوة اللحظات الأولى لانطلاقة القناة عام 1996.

كان الأمر مفاجأة لنا جميعا،ً فلم يكن أحد (حتى من هؤلاء الذين تخرجوا فى تليفزيون بى بى سى) ليتوقع ربع النجاح الفورى الذى أحرزته قناة انبثقت فجأة من صغرى الدول العربية. وأقولها صراحةً وإنصافاً إن الغالبية العظمى لهؤلاء الذين شكلوا نواة القناة غادروا لندن حين غادروها فى طريقهم إلى الدوحة مضطرين بعد انهيار مشروع بى بى سى (بقيت أنا لمجرد أننى استطعت البقاء مهنياً)، وأن أحداً منا لم تكن لديه فكرة عن كنه المشروع القطرى.

سريعاً بات من الواضح أن قناة الجزيرة وجدت ضالتها فى شارع عربى يعانى حرماناً على مستويات عديدة: سياسية وإعلامية وثقافية وإنسانية، ومن ثم استحوذت فجأة على خانة لا منافس لها فيها. ولأن المرء يتفوق على أقران الصف لسبب من ثلاثة، إما لأنه اجتهد أو لأن الآخرين أهملوا أو لمزيج من الاثنين، فقد بدا تفوق الجزيرة لأول وهلة فى تقديرى للسبب الثانى أكثر منه للسببين الآخرين دون أن أنكر على زملائى جهودهم.

فمن الناحية المهنية، لم نضف كثيراً إلى عالم الصحافة التليفزيونية عندما وضعنا مذيعاً فى استوديو ومعه ضيف أو اثنان. لكنّ الواقع العربى اكتسب الكثير عندما أضيف إلى الاستوديو عنصر آخر لم يعرفه من قبل، ولم يكن فى حاجة إلى ميزانية ولا إلى عبقرية: خط هاتف مفتوح لمن يريد أن يتكلم على الهواء أمام الملايين داخل بلاده وخارجها. لقد كان هذا ببساطة انقلاباً فى واقع المواطن العربى لا فضل كثيراً فيه للعاملين فى الجزيرة بقدر ما عاد الفضل فيه لما وصف وقتها بـ«سقف الحرية».

ولأن ما مُنح من أعلى يمكن أن يُسترد فى أى لحظة، فقد كانت تلك ظاهرة سياسية أكثر منها ظاهرة إعلامية جعلت رد فعل الآخرين عليها يمر بثلاث مراحل. كانت ملامح المرحلة الأولى منها سياسية بحتة، تمثلت فى أمور من مثل سحب سفراء من الدوحة واتصالات مكثفة وضغوط حثيثة لاحتواء هذه التى أطلق عليها البعض مصطلح »الظاهرة الصوتية«. وكالطفل الصغير الذى جرب المشاغبة فاكتشف أنها تلفت الأنظار، اكتشف المسئولون فى قطر، صغرى الدول العربية (ولا عيب فى ذلك)، أن بين أيديهم الآن ما يمكن أن يتحول إلى كنز وبين أيديهم دائماً حجة ألا شىء يحدث فى قطر يستحق التغطية (وهو ما ليس صحيحاً).

هذا فى الوقت الذى بدأ رد فعل الآخرين ينتقل إلى المرحلة الثانية تقوده طاقة سلبية أكثر منها إيجابية. فبدلاً من تطوير الأداء الإعلامى بدأت حملات لاذعة، بعضها تحت الحزام، صاحبها إغلاق مكاتب وتوقيف مراسلين و«شغل فى الأزرق». وكلما زاد ذلك زادت نشوة «الطفل المشاغب»، يوازيها شغف واهتمام متزايد فى دوائر إسرائيلية وأمريكية كانت تتابع انعكاسات هذه الظاهرة بدقة وعناية. ومن ثم بات واضحاً أننا أمام طوفان يحاصر البيت، وأننا إذا لم نبادر بإحداث بعض الثقوب فى الأبواب والنوافذ بأنفسنا، فلن يكون للطوفان سوى نتيجة واحدة حتمية.

كانت تلك لحظة فارقة تُحسب طبعاً لقناة الجزيرة، لكنها تُحسب أيضاً لهؤلاء الذين قبلوا التحدى وانطلقوا بطاقة إيجابية نحو تحسين الأداء الإعلامى، فبدأنا نرى ألواناً جديدة من التغطية الخبرية وبرامج الأحداث الجارية، حتى بدأنا نرى قنوات بأكملها تنطلق تعبيراً عن هذه المرحلة، ومنها قناة النيل للأخبار فى عام 1998 وقناة أبوظبى فى عام 2000 وقناة العربية فى عام 2003. والمستفيد الأول دون شك هو المواطن العربى أينما كان.

غير أن النجاح غير المشكوك فيه لقناة الجزيرة حتى تلك النقطة لم يكمن تماماً فى إزعاج الحكام العرب، وإنما ظهر واضحاً، كما يرى متابع جيد مثل أمير طاهرى، فى استغلال حالة ما يوصف بالشارع العربى واستدرار تعاطفه، عن طريق افتراض أن الأصولية الإسلامية فى تصاعد فى كل الدول العربية، وأن الغالبية العظمى تؤيدها سراً. ورغم ذلك كان هناك مجال لا يزال حتى تلك النقطة لمن يعتمدون العمل الصحفى الميدانى القائم على المهنية والبحث والتدقيق، للخروج عن هذا الخط، طالما أن ما يوصف بالبرامج الحوارية (التى يسهل السيطرة عليها) لا يزال «مسلّياً»، والأهم من ذلك أنه بطبيعته البحتة لا يستطيع الاستمرار بعيداً عن ذلك الخط.

بدأت مرحلة جديدة فاصلة بعد خمس سنوات صارت الجزيرة فيها أهم من قطر، وهو وضع غير طبيعى فتح باباً واسعاً لكثير من المتناقضات، حتى أن أحد الضيوف من غير العرب سأل الزميل محمد كريشان يومها (وهذه ليست نكتة): «و كيف حال الطقس هذه الأيام فى الجزيرة؟» ظناً منه أن قطر هى القناة والجزيرة هى الدولة. وكانت قناعة المسئولين فى قطر قد اكتملت بأن لديهم الآن جيشاً قوى البنية حان الوقت لاستخدامه فى بعض الغزوات، ومن ثم رفضوا تماماً (على عكس ما كان مفترضاً وفق قانون إنشائها) طرح أسهم الجزيرة فى الأسواق بعد خمس سنوات، وبدأنا نلحظ وتيرة متصاعدة للتدخلات التحريرية. حتى ذلك الوقت فقط كانت الإدارة قد رفضت إذاعة ثلاثة تحقيقات جادة من برنامج «سرى للغاية».

دشنت المرحلة التالية بدورها مرحلة أخرى على صعيد آخر: نظرة الغرب عموماً إلى مدى قدرة الإنسان العربى على ممارسة صحافة جادة قادرة على المنافسة العالمية، والأهم من ذلك نظرة دوائر بعينها فى إسرائيل وفى أمريكا إلى هذه «الورقة» الجديدة. ولأننا نعلم من قوانين الجغرافيا السياسية أن أى دولة فى حجم دولة كدولة قطر (مع صادق احترامنا لأهلها) لابد كى تحيا من أن تعيش تحت ظل دولة كبرى، عادةً تكون إحدى دول الجوار، فقد كان الموقف فى حالة دولة قطر كالتالى: إلى يمينها إيران «المتوثبة»، وإلى يسارها السعودية «كاتمة الأنفاس»، ومن فوقها عراق صدام، وعلى مرمى البصر إسرائيل ومصر. ثم بعد ذلك هناك شيخ الحارة كلها: أمريكا.

ولأننا نعلم أى خيار استراتيجى ذهب إليه المسئولون فى قطر فقد صارت الجزيرة، خاصةً لدى بداية تلك المرحلة، عضلة تبدو عملاقة، وإن كانت فى الواقع عضلة هشة يمكن ببساطة إغلاقها بمكالمة هاتفية مختصرة، مثلما يمكن ببساطة «اختطافها» لخدمة أهداف بعينها بعضها فورى وبعضها الآخر استراتيجى، بعضها يمكن رؤيته بالعين المجردة، وبعضها الآخر يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير. فى لحظات المصير، رغم ذلك، تسقط الأقنعة وتبين الملامح.

بدأت التهيئة الإعلامية لغزو العراق الذى أدى فى النهاية إلى كثير من النتائج، من بينها ذبح صدام حسين، لكن ذبحاً آخر كان قد سبقه لم يلتفت كثيرون إلى معناه: ذبح المدير العام للقناة حتى ذلك الوقت، محمد جاسم العلى. كانت مرحلة «اختطاف» قناة الجزيرة قد بدأت، وكنت أنا قد قدمت استقالتى منها رسمياً لأول مرة، الأمر الذى استدعى تدخلاً مباشراً من أمير قطر. وتلك قصة أخرى. ( عن اليوم السابع )

********************************************

وكان قد اعلن فودة رحيله عن قناة الجزيرة والابتعاد تماما عن الشاشة في مقال نشر أيضا في صحيفة اليوم السابع بتاريخ 21 / 5 / 2009 :


شيئان فى الدنيا لا حيلة لنا فيهما ولا اختيار: آباؤنا والأرض التى ولدنا عليها. نختار دونهما ما شئنا أن نختار، ونعتز باختياراتنا التى تصنع شخصياتنا وتميزنا عن الآخرين ثم نمشى فى مناكب الأرض شرقاً وغرباً. ومهما طال مشينا، رغم ذلك، يبقى أعز ما لدينا هو ذلك الذى لم تكن لنا فيه حيلة ولا كان لنا فيه اختيار. أمام هذا لا بد أن يتوقف الإنسان متأملاً، يلقى نظرةً إلى الوراء، ولو مرة، لعله يدرك أين يقف وإلى أين يريد أن يتوجه من هنا. فاللهم احفظ أمى وارحم أبى وطهّر أرضى، اللهم ألهمنا من بعد ذلك نفاذ البصيرة.

فكرت كثيراً قبل كتابة هذه السطور، فكرت كثيراً، لسنوات. وفى كل مرة كنت أوشك على اتخاذ هذا القرار كان ثمة سبب يدفعنى إلى التراجع، له علاقة برؤيتى أحياناً، وأحياناً أخرى فوق طاقتى.

اليوم، بعد عامين من التأمل بعيداً عن زحام العمل وعن لفحات المغامرة وعن إغراءات الشاشة، أصل إلى نقطة من الصفاء الذهنى والتكامل النفسى والراحة الجسدية تسمح لى باتخاذ القرار الصعب: أن أعلن من هذا المنبر انتهاء علاقتى بقناة الجزيرة متمنياً لأصدقائى وزملائى بها، هؤلاء فقط الصادقون المهنيون الذين يحترمون أنفسهم فيحترمهم الآخرون، كل تقدم وكل إبداع ما وسعتهم الظروف.

لكنّ من أريد أن تطول التفاتتى نحوه فى هذه اللحظة هو الإنسان العربى أينما وُجد وقد كان، ولا يزال، مرجعى أولاً وأخيراً (بعد ضميرى الإنسانى والمهنى) فيما كنت أختار من تحقيقات وفيما كنت أطمح إلى الإسهام به نحو واقع عربى أفضل. من هذا الشيخ الجليل الذى أقبل علىّ فى صحراء الجوف كى يعانقنى وهو الذى لم تتح له فرصة لتعلم القراءة والكتابة، إلى ذلك الأستاذ العربى فى جامعة هارفارد الذى أمدنى باكتشافاته حتى قبل أن تُنشر، وبينهما كل آبائى وأمهاتى وإخوتى وزملائى وأصدقائى وأبناؤنا جميعاً الذين باهتمامهم ألهمونى وبحبهم ساعدونى على الإسهام بما قدّرنى الله على الإسهام به، والذين من أجلهم هان طريق الأذى أمام لذة الاكتشاف وقيمة الحقيقة. إلى هؤلاء أتحدث اليوم.

وفى بداية حديثى لابد أن أطمئن هؤلاء الذين أسعدونى بمتابعة عملى الصحفى، على قناة الجزيرة وعلى غيرها، إن هذا ليس خطاباً للتنحى عن مهنة الصحافة؛ فمن ولد صحفياً يموت صحفياً، ولا هو ردة فعل فى لحظة انفعال؛ فلقد استغرقنى الأمر سنوات. ولحسن الحظ فقد ولدت فى جيل أتيح له من نوافذ الإعلام ما لم يُتح لسابقيه. وإننى لأشعر بسعادة غامرة على المستويين الاجتماعى والمهنى لعودتى إلى بلدى، مصر، ولتمكنى من المساهمة فى بناء جريدة اليوم السابع التى أراها تكبر يوماً بعد يوم وأنا أطل منها على القارئ العربى، ولأن إطلالتى التليفزيونية القادمة على المواطن العربى ستكون أيضاً من مصر.

سيتساءل البعض: لماذا هذا القرار؟ ثم ربما يتساءلون: لماذا هذا القرار «الآن»؟ وحقيقة الأمر أننى عبرت علناً مرات عديدة عن تحفظى على أمور بعينها على الشاشة ووراء الشاشة، لبعضها علاقة بالإدارة ولبعضها علاقة بالمهنة ولبعضها الآخر علاقة بالسياسة، وأننى قدمت استقالتى مكتوبة موقّعة إلى رئيس مجلس الإدارة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثانى، مرتين: مرة عام 2003 ومرة ثانية قبل عامين. وأن استقالتى رُفضت فى المرة الأولى بتدخل مباشر من أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، وتحولت فى المرة الثانية إلى اتفاق بينى وبين رئيس مجلس الإدارة على ما يشبه «استراحة محارب» باقتراح منه مشفوع بالتماس ألا أنضم إلى قناة أخرى يقابله طلب منى بأن يتقبل قرارى أيما كان بصدر رحب لدى نهاية الاستراحة. واتفقنا على ذلك.

ورغم أننى أحاول دائماً فى عملى أن أرى الأمور من منظور المشاهد فقد أتاحت لى هذه الاستراحة أن أتابع قناة الجزيرة لأول مرة بعين المشاهد متخلصاً من صخب العمل وغمامة الاستغراق. كما أتاحت لى فرصة عريضة كنت أتوق لها من زمن بعيد لاتخاذ مقعد خلفى يتيح لى منظوراً أعرض للتأمل فى لحظة ماضية ومعايشة لحظة حاضرة واستشراف أخرى آتية.

ألقى بى التأمل إلى بداية عام 1994. كنت وقتها أدرس الدكتوراه فى جامعة جلاسكو فى اسكتلندا كى أعود بعدها لاستئناف عملى الأكاديمى فى جامعة القاهرة. وفى تلك الأثناء أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية عن عزمها إطلاق أول قناة تليفزيونية باللغة العربية متخصصة فى الأخبار وبرامج الأحداث الجارية. وبعد تفكير شاركت مع الصف الأول فى تأسيس القناة وشرفت باختيارى أول مراسل عربى متجول.

كانت تلك لحظة فارقة على طريق صحافة تليفزيونية عربية، حتى أنه بوصولى أول مرة إلى منطقة الحرب فى سراييفو فتح زملاؤنا الإنجليز فى غرفة الأخبار فى لندن زجاجات الشمبانيا احتفالاً بالحدث.

لكن هذا التليفزيون لم ينطلق إلا حين دخلت بى بى سى (بعقليتها الإنجليزية) فى شراكة مع شبكة أوربيت (بعقليتها السعودية) ما زرع بالضرورة ناراً تحت الرماد انتشر دخانها فى غرفة الأخبار أكثر من مرة حتى بات العاملون بها على فوهة بركان؛ فكان هذا خطأً قاتلاً ظلم الشريكين معاً، وإن كان ظلم العاملين تحت إمرة البريطانيين برواتب سعودية ظلماً أفدح. لقد كان هذا، فى الواقع، زواجاً قام باطلاً وانهار باطلاً بعد ذلك بنحو عامين.

غير أنه، وقد انهار، ترك بين يدى المراقب مثالاً فريداً من نوعه؛ فلأول مرة فى التاريخ، على حد علمى، تقوم شركة لا يريد أحد الشريكين لبضاعتها أن تنتشر، ولأول مرة يكون تأثير قناة تليفزيونية فى العاملين بها أعمق بكثير من تأثيرها فى تلك القلة من رواد فنادق النجوم الخمسة التى أتيح لها أن تشاهدها.

لم يصدق هؤلاء الصحفيون، وبعضهم من الطراز الأول، أنهم سقطوا فجأة، ولو ليوم أو بعض يوم، فى سوق البطالة بعد أن تسرب من بين أصابعهم أمام أعينهم حلم عزيز. وسرعان ما تلقفت الدوحة كثيراً منهم وهى تعلم أنهم، بغض النظر عن الاختلافات الشخصية والمهنية والسياسية، تخرجوا فى أكثر المدارس الإعلامية فى العالم ثقلاً واحتراماً.

شكل هؤلاء، مع نخبة أخرى من الصحفيين العرب، نواة «قناة الجزيرة الفضائية» التى انطلقت فى الأول من نوفمبر 1996. هذه المرة من عاصمة عربية. هذه المرة بلا خطوط حمراء، أو هكذا كان يبدو. هذه المرة بلا شراكة. هذه المرة يريد البائع لسلعته أن تنتشر. فجأة يدرك المشاهد العربى أنه كان يفتقد شيئاً ولم يكن يدرى.

بقيت أنا فى لندن أؤسس مكتباً لها فى العاصمة البريطانية بينما انتقل كثير من زملائى إلى الدوحة، لكننا جميعاً وجدنا لأول وهلة فى قناة الجزيرة نظاماً فريداً من نوعه لا يوجد مثيل له واقعياً فى مؤسسة إعلامية أخرى، ولا يوجد مثيل له نظرياً فى كتب الأنظمة الإذاعية والتليفزيونية. يجمع هذا النظام بين مجموعة من القيم والمصادر المتنوعة، المتناقضة أحياناً، تتراوح بين القَبَلى والحضرى، بين العربى والغربى، بين اليمينى واليسارى، بين الديمقراطى والديكتاتورى، وبين الدينى والعلمانى.

وتبين هذه المتناقضات من اللحظة الأولى لتوقيع عقد إنشاء الجزيرة بمنحة أميرية على هيئة «مؤسسة عامة للقنوات الفضائية» تحصل على تمويلها من «مجموعة من المستثمرين» للسنوات الخمس الأولى على أن يتم «طرح أسهمها فى الأسواق» بعد ذلك لمن يريد أن يشترى. ولم يكن لذلك أن يحدث، كما أثبتت الأيام، ففى غضون عام واحد صارت الجزيرة بأيدٍ مهنية غير قطرية أكبر من قطر ومن أمير قطر، وحين يحدث هذا لا بد من لحظة أخرى للتأمل.






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :