التحديات الجيو _ سياسية والأمن القومي الأردني !!
رجا طلب
15-12-2025 03:09 PM
في منطقة تزدحم بالتحولات والمتغيرات الدراماتيكية منذ عام 2023 بصورة خاصة، يبرز الأردن بوصفه نموذجًا للدولة التي أعادت إنتاج أدوات أمنها القومي دون أن تفقد توازنها أو هويتها، ورغم أن المملكة لا تمتلك وثيقة معلنة بعنوان "نظرية الأمن القومي"، الا ان تراكم الخبرة لدى القصر وبيت الحكم المتوارث منذ عشرينيات القرن الماضي يضاف اليها القدرات الاستثنائية لجلالة الملك في ادارة الدولة، رسمت ملامح عقيدة امنية واضحة تستحق الدراسة، خصوصًا في ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، واعتقد ان ابرز ركائز هذه العقيدة تتمثل في حماية الدولة بكل الوسائل والامكانيات، فالدولة الاردنية وُلدت من رحم بيئة غير مستقرة اشبه ما تكون بالرمال المتحركة وتعلم الاردن عبر عقود طويلة أن وجوده يواجه على الدوام مشاريع وتحديات وجودية، سواء عبر ضغوط ديموغرافية أو محاولات فرض وقائع مرتبطة بالقضية الفلسطينية او مؤامرات خارجية.
أما على مستوى الجوار، فقد خلقت التحولات الإقليمية تحديات مستمرة لنا، أبرزها انهيار الدولة المركزية في العراق و في سوريا، وانتشار الميليشيات المسلحة في البلدين والاقليم، وتصاعد الدور الإيراني في المنطقة، ورغم أن الأردن انتهج ومنذ تاسيسه عدم الانخراط في اي صدامات مفتوحة او محدودة في الاقليم، الا انه كان مضطرا للتعامل الخشن مع أمن حدوده الشرقية والشمالية، فأمن هذه الحدود بات قضية حيوية وخطرة مع تزايد تهريب المخدرات والسلاح، ونشاط العصابات المسلحة و الجماعات الارهابية، ومحاولات قوى إقليمية الدفع بأذرعها نحو حدودنا، وهو الوضع الذي جعل من "الأمن الاستباقي" عقيدة فاعلة لدى العقل الامني في الدولة الذي يعتمد وباحترافية عالية على معلومات استخباراتية دقيقة، وقدرة عالية ومرنة على التحرك المسبق والسريع لافشال اي خطر.
وفي هذا الاطار، اطار الامن القومي الاردني تبقى العلاقة الأردنية – الإسرائيلية من أكثر الملفات الشائكة والحساسة، فالتغيّرات داخل إسرائيل، وصعود اليمين المتطرف بشقيه الديني والقومي، يمثل مصدر قلق دائم لنا، سواء فيما يتعلق بمخططات التهجير القسري والمرتبط بمشروع الوطن البديل أو بالاجراءات احادية الجانب التي تمسّ المسجد الأقصى والوصاية الهاشمية وهو ما يفرض علينا التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها أحدى اكبر تحديات امننا القومي وتحولها في بعض الاحيان الى قضية اردنية صرفة.
ومن بين تحديات امننا القومي ايضا ياتي الاقتصاد الأردني كواحد من بين هذه التحديات حيث يمثل ارتفاع معدلات البطالة وتذبذب عائد الموارد وعلى محدوديتها ليضع البلاد أمام معادلة دقيقة، ومن هنا يمكن فهم تركيز الدولة على تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز الشراكات الخليجية، والمحافظة على موقعها كشريك أساسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعلى، فالدعم الدولي المتأتي من جهد جلالة الملك يشكل احد عناصر استقرار البلاد ويوفر بيئة استثمارية جاذبة لها دور اساسي في التنمية الاقتصادية وسط اقليم مضطرب.
كما ان الوحدة الوطنية تشكل أحد ابرز خطوط الدفاع الرئيسية عن الدولة واستقرارها في مواجهة محاولات الاختراق وبث الفوضى وزرع الفرقة بين مكونات المجتمع الاردني من اثارة النعرات سواء الدينية او الجهوية او المناطقية، ومن المهم للغاية التاكيد ان التطورات الإقليمية خلال السنوات الماضية مع صعوبتها وتعقيداتها قد اثبتت مدى قدرة القوات المسلحة الاردنية الباسلة والاجهزة الامنية الشجاعة وفي مقدمتها المخابرات العامة التى نفاخر بها وبقدراتها في بناء نموذج يحتذي به نموذج يعتمد على المعلومات الدقيقة، والعمل الوقائي، والتنسيق الدولي، للحفاظ على الاردن كواحدة من اكثر دول الاقليم امنا وسط محيط هائج ، اتسم ومازال بتسارع التطورات الجيوسياسي في المنطقة -من التحولات في إسرائيل، إلى الصراع الإقليمي، إلى التنافس الدولي– حيث نجحت العقيدة الأمنية الأردنية في الحفاظ على توازنها، وتطوير أدواتها، والانفتاح على التحالفات من دون التفريط باستقلال القرار الوطني والمصلحة الاردنية العليا.
إن نظرية الأمن القومي الأردني ليست مجرد مجموعة من السياسات النظرية، بل هي رؤية استراتيجية واقعية تقوم على حماية الدولة، و على توازن العلاقات الخارجية، وإدارة الملفات الإقليمية بشكل دقيق وهادئ، مع توفير كل اسباب تماسك المجتمع وحماية الوحدة الوطنية وجعله قادرا على امتصاص الصدمات، ولهذا اقول وبمنتهى الموضوعية انه وفي عالم تتغير فيه الخرائط بسرعة غير مسبوقة، يبدو الأردن واحدًا من الدول القليلة التي نجحت في تحويل الضغط إلى فرص، والتحديات إلى مصدر قوة.
Rajatalab5@gmail.com
الرأي