facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




امتحان الثانوية العامة في الأردن إلى أين


د. عمر مقدادي
02-10-2018 06:46 PM

إن أي عملية للإصلاح في الدول والمجتمعات تبدأ بإصلاح وتطوير التربية والتعليم، تعمل عليها الدول لتحسين متطلباتها ونواتجها ومخرجاتها وفق ثوابتها ومرجعياتها، بما يتوافق ومتطلبات التنمية والحداثة ومواكبة المستجدات في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتنطلق عملية الإصلاح الحقيقي من دراسة الواقع وتشخيصه بعمق لمعرفة الأسباب والدوافع والمشكلات وطريقة معالجتها وفق منهج علمي مع ضرورة توفير الكوادر البشرية المؤهلة وذات الخبرة الفنية والتربوية للقيام بذلك، وتعدّ شهادة الثانوية العامة الأردنية أحد نتاجات النظام التربوي الأردني التي نفخر بسمعتها على المستوى العربي والدولي والتي تحظى بثقة المواطن، بالرغم من المشكلات والصعوبات والملاحظات على الصيغة الحالية، مما يتطلب التقييم والمراجعة وإعادة النظر في السياسات والإجراءات المعمول بها من أجل الارتقاء بهذا الامتحان الذي يقود إلى منح شهادة الدراسة الثانوية العامة؛ لتلبية حاجات التعليم من جهة وحاجات المجتمع من جهة أخرى، مع إدراك المجتمع الأردني أن الوزارة عازمة على المضي قدمًا في ذلك بدءًا من العام الدراسي المقبل 2018/2019م، بهدف الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل فنية وتربوية مبنية على التخطيط الاستراتيجي والجودة الشاملة وإدارة المعرفة والإبداع وكل ما تتطلبه الألفية الثالثة من استراتيجيات وجوانب تطويرية في مجال القياس والتقويم التربوي، على الرغم من خشية مؤسستنا التربوية الرسمية أن تواجه كثيرًا من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات المتعلقة بهذا الامتحان، وخاصة ما يتعلق بالمشكلة الأكبر وهي الرسوب لأعداد كبيرة من الطلبة سنويًا، مما يتطلب إصلاح منظومة التعليم بشكل شامل وخطة عمل زمنية تبدأ من الصفوف الأساسية الثلاثة الأولى وتنتهي بالصف الثاني عشر(التوجيهي)، مرورًا بمحطات تقويمية لقياس أداء الطلبة وتقويم الخطة وتعديلها وفق المؤشرات، مع ضرورة استمرار تطوير البنية التحتية وإصلاح عناصر العملية التعليمية والبيئة التعليمية والتنظيمية لضبط جودة التعليم وتحسين مخرجاته.

لابد من التذكير بالمشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن وهي أن شهادة الدراسة الثانوية العامة تحولت من غاية التعليم والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان ومعدل الطالب والفرص المتاحة له في القبول الجامعي في مجتمع يحرص على التعليم الجامعي وفي تخصصات محددة، كما أن الامتحان يواجه بعض التحديات الأخرى، وبعد التأمل والنظر في الواقع التربوي وحاجات التعليم والمجتمع الأردني نعتقد بأهمية الملاحظات المنهجية الآتية:

أولاً: - يعقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية لأغراض عديدة في مقدمتها قياس أداء الطلبة التحصيلي في نهاية المرحلة الثانوية من التعليم، ولكن الامتحان يركز على الجانب التذكري الاستظهاري للمعلومات المقرة في المباحث الدراسية، ويغفل قياس المهارات والقيم والاتجاهات التعلمية، وهذا الامتحان مقياس معرفي ، فلابد من تطويره ليأخذ بالمعايير التربوية الحديثة ومنها ما يتعلق بالقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفاعلة، كما أن عدد المباحث الدراسية التي يتقدم بها الطلبة كبير، مما يتطلب إعادة النظر وتطوير امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.

ثانيًا: -يجرى امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الأردن لغاية العام الدراسي 2017/2018م على دورتين سنويًا، وقد تقرر عقد امتحان التوجيهي مرة واحدة في نهاية العام الدراسي(دورة واحدة) بدءًا من العام الدراسي 2018/2019م، ولعل من الأفضل الإبقاء على دورتين (فصلين)، لتخفيف الضغط النفسي وإتاحة الفرصة لتعديل ما تم الإخفاق به أو التقصير فيه في الفصل السابق، فمعظم الطلبة يستفيدون من خبراتهم في امتحان الفصل الأول ويتداركون الثغرات التي صاحبته، مما يمكنهم من رفع علامتهم في المبحث والمجموع العام، كما تبين المؤشرات بأن معظم الطلبة تمكنوا من رفع علاماتهم في الفصل الثاني مقارنة بالفصل الدراسي الأول، وهذا سيعمل على زيادة نسبة النجاح، وكذلك فإن الأعباء التي تتحملها الوزارة والمؤسسات المعنية ستبقى ما دام هناك فرصة ثانية لعقد دورة في منتصف نفس العام الدراسي للطلبة غير مستكملي النجاح ولمن يرغب في رفع المجموع العام للعلامات، كما أن الوزارة سبق أن طبقت نظام الامتحان نهاية العام الدراسي ( دورة واحدة) ولم يكتب لهذه التجربة النجاح.

ثالثًا: - إن تعديل الخطة الدراسية للمرحلة الثانوية في الفروع المختلفة سنويًا، يؤدي إلى عدم استقرار النظام التعليمي وزيادة الأعباء على الوزارة وعدم تكافؤ الفرص التعليمية باختلاف الخطط الدراسية في كل عام ومتطلبات تطبيقها، كما أن ما تقوم به الوزارة من اتخاذ قرارات بهذا الحجم ودون دراسات مسبقة أو خطة شمولية أو إستراتيجية للوزارة لتطوير عناصر المنظومة التعليمية، أو طرح هذه القضية للنقاش على مستوى الخبراء التربويين والمختصين، والذي يدلل بما لا يقبل الشك على أننا ما نزال نخضع لسياسة الوزير وليس سياسة الوزارة، وأننا أبعد ما نكون عن الخطط والاستراتيجيات الناظمة للعمل المؤسسيّ.

رابعًا: - إن الخطة الدراسية الجديدة ووجود المباحث الاختيارية الثلاثة لطلبة العلمي والأدبي وقرار تخفيض علامة النجاح في المبحث، والاعتماد على مجموع العلامات، وتعدد خيارات الطلبة، سيضاعف من إشكالية مدخلات التعليم الجامعي بتخصصاته المختلفة والبناء المعرفي للطلبة والاتصال الرأسي للمهارات العلمية ومن ثمّ ينعكس على مخرجات التعليم الجامعي، وسنجد أنفسنا أمام المزيد من التراجع في مستوى جامعاتنا بدلاً من الارتقاء بها وتحسين مخرجاتها.

خامسًا: - على مستوى التطبيق للخطة الدراسية في الميدان فإن وجود مباحث اختيارية في الخطة الدراسية قد يؤدي إلى الارتباك لدى الطلبة من حيث اختيارهم للمباحث الاختيارية ومدى ارتباطها بالتخصص الجامعي الذي سيقبل الطالب به، لعدم معرفتهم بالمعدل الذي سيحصلون عليه في امتحان الثانوية العامة، وأسس القبول في الجامعات، مما يتيح فرصًا أقل ومحددة في التعليم الجامعي لكل طالب، وسيسبب أيضًا صعوبة في الميدان التربوي في الجوانب الإدارية وعملية تقسيم الطلبة إلى الشعب والصفوف وللمعلمين في العملية التعليمية، مما يؤدي إلى أن الاختيار ستحدده المدرسة وليس الطالب، وهذا يتناقض مع مبدأ حرية الاختيار للطلبة.

سادسًا: - سيصبح لشهادة التوجيهي قيمة أقل في الجوانب الأكاديمية و التربوية في ظل قيام وزارة التربية بتخفيض علامة النجاح في المباحث لشهادة الدراسة الثانوية العامة وتقليل عدد المباحث الداخلة في معدل الطالب وعددها (7)، والاعتماد على مجموع العلامات المتساوي لها (200)، والذي يتناقض مع مبدأ الأوزان النسبية للمباحث الدراسية في الخطط الدراسية، كما أن تصميم الخطة الدراسية الجديدة للصف الثاني عشر تعتمد عدد المباحث التي تدخل في مجموع علامات الطالب، بالاعتماد على بعض الاختبارات الدولية، دون الإمعان في مضمون الكتب المدرسية وعدد الحصص المخصصة لهذه المباحث في العملية التعليمية وأهميتها في مجال التخصص الأدبي أو العلمي أو الفرع المهني، وهذا يتناقض مع فلسفة التطوير والإصلاح وتحسين مخرجات التعليم وتطوير الموارد البشرية

سابعًا : - إن الخطط الدراسية الجديدة والتعليمات، ستعزز الطبقية في التعليم الجامعي، فالطالب الأقدر ماليًا ستكون لديه فرصه أكبر في القبول الجامعي سواء في الجامعات الرسمية (عبر الموازي والدولي) أو في الجامعات الخاصة (عبر القبول المباشر). لتصبح جامعاتنا ساحة لتعليم الطلبة الأقدر ماليًا وليس الأكفأ دراسيًا، مما يقود إلى ضعف مخرجات التعليم الجامعي؛ ولعل المستفيد الأكبر من قرار تخفيض علامة النجاح في المبحث، والخطط الدراسية الجديدة للعام 2018/2019م، هو الجامعات الخاصة التي لحقها ضرر كبير نتيجة ضبط الامتحان وحجم الرسوب في التوجيهي في السنوات الأخيرة، وجاء هذا القرار لينعش سوق هذه الجامعات وليفتح باب القبول فيها على مصراعيه، دون أدنى حد من الأسس الأكاديمية والعلمية للقبول الجامعي.

ثامنًا:- أما فيما يتعلق بالمنهجية التقليدية المتبعة للتحضير للامتحان وما يتطلبه من إعداد للقاعات ولجان المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز، وما تتسم به من الهدر التربوي والتي يمكن معالجتها بطرق فنية فاعلة وفق آليات عمل فنية، وهنا لابد من تأكيد أهمية حوسبة امتحان الثانوية العامة، وأن تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عالٍ من التطور والتقدم؛ ليتم تقيّيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحه وآماله وتحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة تمامًا كما في اختبارات التوفل.

تاسعًا:- أهمية وجود اختبارات للقبول في الجامعات ليتم قبول الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص، بحيث تصبح معايير القبول مركبة من: (اختبار شهادة الدراسة الثانوية العامة، واختبار القبول في الجامعة)، بالإضافة إلى إمكانية تطبيق اختبار القدرات واختبار الاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات.

عاشرًا:- إن المتمعن بحزمة الإجراءات التي ينظر إليها على أنها تطوير لبرنامج الثانوية العامة، يجد أنها تنحصر في البعد الكمي، في حين غاب عنها البعد النوعي الجوهري غيابًا تامًا؛ لذا فإننا نؤمل أن تصل وزارة التربية والتعليم إلى الجودة الشاملة خاصة في العناصر والجوانب المتعلقة بامتحان الثانوية العامة والتي تفرضها المستجدات والضرورات الحتمية، سيرًا بخطوات جادة نحو الأفكار التربوية التنويرية العميقة بكل صبر وثبات بحيث تلبي طموحات التعليم والمجتمع، بعيدًا عن نقل الأفكار والتجارب في بلدان أخرى تختلف فيها خصائص المجتمع وحاجاته عن بلدنا، وبعيدًا عن كل السلبيات التي نعيشها كل عام ونتحمل جميعًا تبعاتها.

حمى الله هذا البلد وشعبه وأدامه واحة أمن وأمان، وهيأ له من أهله من يحرصون على رفعته وتطوره وصون أمنه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :