facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الغزوة والفزعة والدولة والأخلاق في تاريخ العرب


فتح رضوان
16-11-2018 03:44 AM

إضاءات على الغزوة والفزعة والدولة والأخلاق في تاريخ العرب والإسقاط على الواقع العربي المعاصر

نعيش الان كأمة عربية في المساحة بين الغزوة والفزعة وتظللنا الأخلاق حينا ونبتعد عنها أحيانا والدولة القطرية العربية تعيش عصر الهيكل المؤسسي دون روح فاعلة وقلب نابض.

كانت العرب فيما قبل عصر الدولة المدنية المحكومة بأبنائها في منطقتنا والتي دشنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشكل الأقرب الى الممارسات المعاصرة للدول وقوانينها والعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم - وحتى يكون الخطاب عاما ولا يقال اننا نفرق بين شعوب الأمة ونميز بين فرقها واختلاف أديانها - فالدولة التي أرسى أسسها ووضع قواعدها الرسول الأعظم وجنبها سيدنا أبو بكر هزات فقدان الرسول الأعظم فقد طورها ووضع أسس مدنيتها وعالميتها سيدنا عمر وكان معه وزيرا رديفا سيدنا علي كرم الله وجهه وبينما كانت تتمدد هذه الدولة في حواضر العراق والشام كان مسيحيو العرب يلعبون فيها دورا رياديا وفي المواقع الأولى في الدولة ولا سيما بعدما ترسخت أركان الدولة في العهدين الأموي والعباسي وما تلاهما من عهود خلافة وحتى اليهود وإن كانوا قد اخرجوا من جزيرة العرب فلم يمسهم أحد بسوء وبقوا في العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من بلاد العرب.

إذن العروبة بديانة الاسلام كدين الأغلبية من شعوب الأمة هي هوية ثقافية واستقلال قومي ودولة مدنية تنظم علاقة الجميع ببعضهم، هذه الدولة افتقدناها لقرون ولا سيما مع طول سيطرة الخلافة العثمانية وتخلفها في مناحي عديدة سواء في تطوير الخطاب الديني أو إشراك جماهير الأمة في السلطة بعدالة.

عاد العرب الى عقلية الغزو والفزعة في فترات ضعف دول الخلافة عموما ولكن ما يهمنا في هذا المقام الدولة العثمانية قي أواخر عهدها وانسلاخها عن هوية الأمة الى تغريب في مركزها واحتلال في بلاد العرب وإن كان هذا الاحتلال قليل المدة للحقيقة والتاريخ ويبدأ بفترة ما بعد السلطان عبد الحميد الثاني حين سيطر حزب الاتحاد والترقي على مفاصل الدولة في العام ١٩.٨ وإن كانت فترة السلطان عبد الحميد الثاني من أعقد الفترات وأصعبها فقد استلم الحكم في امبراطورية بالكاد تحكم مركزها فكيف ببلاد العرب وهذا ما ساهم بشيوع الجهل والتخلف عن ركب الحضارة العالمية وعدم مواكبة الثورة الصناعية في أوروبا في أقاليم الوطن العربي وحتى في مركز الدولة العثمانية وبالتالي فقد العرب أكثر مما فقد الأتراك الذين ركبوا موجة الحداثة سريعا بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة فيما بقيت الشعوب العربية في الأعم الأغلب تعاني ويلات الاستعمار الجديد الذي قسم الوطن العربي بالمسطرة والقلم وحرص على بقاء العرب في حيز القبيلة وإن مكنهم الاستعمار من بناء هياكل الدولة الحديثة ولكن ساد في هذه الدول وبفعل فاعل من حكم بعقلية الغزو والقبيلة.

إن شكل الدولة الذي أسسه الاستعمار البريطاني وغيره في بلادنا على أساس بقاء عقلية القبيلة في مفاصل الدولة القطرية العربية مما يبقي الانتماء أولا للقبيلة أو العائلة أو الطائفة قبل الدولة والعيش في مناصب الدولة بعقلية الغزو التي تناقض حتى الانتماء للأرض لأن اللص الغازي يعرف في قرارة نفسه أن موطيء قدمه قد ينقلب عليه في أية لحظة فيسود الاستبداد والقمع وعقلية المنفعة بقوة اليد والسلاح وبقوة السيطرة على تطبيقات القانون والتعليمات الان (دعونا نسميه عقلية الغزو العربي المعاصر).

أغلب مسؤولينا محليا وعربيا تم ابتعاثه على نفقة الدولة ليدرس في أرقى جامعات أوروبا وأمريكا وقد عاش بعضهم في تلك الديار ردحا من الزمان وفهم وشاهد وعاصر وتفاعل مع مدنية الدولة هناك فهذا المسؤول لم يعد معذروا بالبقاء في عقلية الغزو التي عادت من جديد لمنطقتنا وكما أسلفنا أعلاه فمع كل مآسي الاحتلال البريطاني فقد أسس في المنطقة مفهوم الدولة الحديثة من جديد ولكن للأسف لم يتح الاستعمار ولا الشعوب المعتادة على الاستعباد تعميق مفهوم الدولة وبالتالي بقيت عقلية الغزو متجذرة في عقول وقلوب من ركبوا موجة دول قطرية لا تزال حديثة جدا.

الان ومع عقلية الغزو فلدينا في صلب تراثنا فضيلة الفزعة التي كانت تمثل المقاومة الفطرية في مجتمعاتنا في مواجهة بربرية الغزو، واستمرت هذه الفزعات التي تعني غياب الدولة وإن اصبح لدينا دول بأنظمة ودساتير وقوانين مطبقة الى حد ما على الشعب ولكنها تستثني من امتطوا ظهور هذه الدساتير والقوانين لتجييرها خدمة لشخوصهم.

ولتأكيد ما ذهبنا اليه كيف نسمي افتخار مسؤول وفي ظل حكم دستور وقانون بأنه غزا منصبا ( التعبير بالطبع مجازي بمعنى تقلد منصبا) فأفاد أبناء منطقته أيما فائدة فعين منهم المئات وأعطاهم الأعطيات وخصهم بالمشاريع فهذه الممارسة أبشع من الغزو بأسلوبه القديم لنتائجه المدمرة على الدولة ومدنيتها وسيادة القانون فيها وبالتالي تخريبها ما لم تستعد الدولة بمخلصيها وأبنائها نفسها وتفرض مدنيتها وسيادة قوانينها.

ذاك المسؤول لم يحمل السيف ولم ينتهك حرمات البيوت ولم (يرق الدماء)، ما فعله أنه أعطى لنفسه وأحيانا أبناء منطقته ما ليس له أو لهم فكان في عقله الباطن فرحا بانتصاره في غزوة استفاد منها وأفاد.

كما قلنا ففي مقابل عقلية الغزو فنحن العرب لدينا فضائل حتى في جاهليتنا، فآلعربي يرحم الضعيف ويقري الضيف ويغيث الملهوف بل تم توثيق ذلك حين تفاقمت المظالم وقبل البعثة المحمدية المباركة بما سمي ( بضم السين ) حلف الفضول وكان الرسول الأعظم شاهدا عليه بل أشاد به في الإسلام وعزز ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ( إنَّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

تلاحظون أنه حين تنزل بِنَا نازلة نتجمع ونركض من كل أتجاه لنغيث ملهوفا أو نصلح بين الناس أو نطالب بحق مظلوم.

لولا وجود الفزعة كثقافة تمنع انهيار هيكل الدولة سواء لدى الجمهور او لدى مسؤولين شرفاء يعيشون عقلية الدولة والقوانين وان كان سيفهم ليس بتارا، ولكن هذه الفزعات أبقت هيكل القانون وتفعله في أحايين كثيرة ولكن للأسف بانتقائية فيما أصبحنا نسميه الفساد.

لقد تشابكت مصالح أصحاب الغزوات (الفاسدين) في تعاطيهم مع الدستور والقانون وفي تعاملهم مع الجمهور بحيث لا يمكن إدانتهم فهم موجودون ككائن هلامي شفاف لا يرى ( بضم الياء) فهم يبنون وبوسائل قانونية حائط صد منيع ويشغلوننا عنهم بأسلوب الثعلب الواعظ ويخبروننا بلسان حالهم: قولوا أيها الشعب ما تريدون ونحن نفعل ما نريد وهذا في أفضل حالات الدولة القطرية العربية أما في الحالات الأسوأ فممنوع حتى الكلام ناهيك عن عدم وجود أي معارضة لها قيمة وإن كان لها قيمة فهي بالكاد قادرة على البقاء من دون فاعلية حقيقية.

تعددت أساليب الفزعات وتطورت وأصبحت كذلك تأخذ أشكالا رسمية فأصبح لدينا عديد الإذاعات التي تستقبل شكوانا ليل نهار وتحاول أن تجد لنا حلا أو تغيث ملهوفا.

إذا أصبح للفزعة منابرها ولكنها مشتتة وغير رصينة ولا تمتلك الإدلة وقد يغلب عليها أسلوب شعبوي فاقد للخلق والمروءة، فماذا يعنينا سب الناس وشتمهم واختلاق الأخبار أو الإقامة في أقاصي الارض وإطلاق الفيديوهات الصادمة في محتواها والبذيئة في أساليبها.

لا تستقيم الشعوب إلا في ظل سيادة القانون ومدنيته وهذا خلافي الدائم مع الكثير من مثقفينا والذين يفترضون أن العربي يجب أن يكون بنفسه مستقيما وذو خلق ويلتزم القانون وهذا غير ممكن حتى في أرقى الدول فكلما ضعفت سيادة القانون ازداد تفلت الناس حتى لو كانوا سكان الدول الإسكندنافية، وبكل تأكيد فإن طول تطبيق الفانون تجعل الاستقامة ثقافة فلا يحتاج عموم المواطنين بعدها الى كثير من الرقابة حتى يكونوا في قمة الاستقامة حتى لو غابت عين الرقيب وهذه البدهيات لا يفهمها كثير من مثقفينا فيقعون في القدح في الشيفرة الوراثية للأمة وكأننا بشرا غير البشر وكأن سيدنا عثمان لم يقل لنا قبل ألف واربعمائة عام ( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).

إن مقاومة الغزو والفساد بالبذاءة يزيد الطين بلة، فأصحاب الغزوات يمتلكون سلطة القانون وقوة المال فَلَو كان السباب والشتائم تحل مشاكل لما بقي في بلاد العرب مشكلة ولا بقيت اسرائيل.

نأتي للخلق وهو سمة الأمة الأبرز في نشأتها فأمنا هاجر ورضيعها اسماعيل عليه السلام ينزلهم أبونا ابراهيم عليه السلام بواد غير ذي زرع فيرزقهم الله عين زمزم فتمر قريبا منهم قبيلة جرهم ( عرب عاربة)، خارجة من ديارها في اليمن طلبا للماء فيرون طيرا في السماء يحوم فيعرفون إنما يحوم على عين ماء فيحضرون مستأذنين هاجر للإقامة على عين الماء فتأذن لهم - تخيلوا لو أن من مر بهذه الأم ورضيعها كاوبوي أمريكي وأنتم تتذكرون ما فعل الأمريكيون بالهنود الحمر، بل وحتى حديثا حيث تشير الإحصاءات في أمريكا ذاتها أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر- التي أحالها الإعلام الأمريكي الى عقيدة هولوكوست مقدسة لا يجوز نقاشها - وحتى العام ٢٠١٤ مات في حوادث إرهابية تسبب بها مسلمون ٣٧ شخصا وفي نفس الفترة مات في حوادث ارهابية تسبب بها غير المسلمين مائة وتسعين ألفا وهذا يثبت الفرق الحاسم في سمو ومدنية المسلم والعربي قياسا بغيره وحتى في أوروبا فإن بياناتها الرسمية عن حوادث الإرهاب تشير لنفس الحقيقة وبطبيعة الحال فالوضع في الغرب في تفاقم نتيجة تصاعد التيارات اليمينية.

يكبر سيدنا اسماعيل عليه السلام وهو نبي مرسل فيتزوج من جرهم وتنشأ خير أمة أخرجت للناس ( العرب المستعربة) فيكون هذا النبي أول من نطق العربية الفصحى لينزل القران في نسل هذا النبي بالخيرية المشروطة لهذه الأمة ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فالعرب إن لم يجمعوا الميزتين معا لا شيء بنص كتاب الله وبإقرار كل أعلام الأمة ولذلك بالخلق والدين دانت الدنيا لحفاة عراة في أقل من خمسين عاما.

إذن الأمة لا تكون إلا بالخلق ثم الدين ونحن بدونهما لا شيء ومعهما كل شيء.

عدنا لعصر الغزوات والفزعات وبعض الخلق وأورثنا الاستعمار هيكل الدولة دون روحها وعقلها.

إن تقييم المشكلة وأسبابها في بلداننا غير واع ولا دقيق ولا منظم وهذه مشكلة النخبة والواعين من أبناء العرب فالمشكلة ليست في شيفرتنا الوراثية بل إن شيفرتنا الوراثية مقاومة جدا فلولا قوة هذه المقاومة لاندثرت هذه الأمة منذ قرون بل إن الجزء المكافح من الشعب العربي لا يعتد بغير تراثه في الأغلب مع إفادة الاخر والاستفادة منه بعدالة.

في الخلاصة لم تندثر للأبد دولتنا غير أن رمال الصحراء والمتصحرين عقولا وأفئدة يقاومون انبعاثها من جديد وليس كل ما نرى من حولنا وفي كل أقطار العرب إلا نشرا للفوضى والفساد بخطط يتم تدبيرها في ليالي الظالمين الكالحة والمتحالفين مع ناهبي ثرواتنا حيث تستخدم هذه الثروات بخبث ودهاء في الأمعان في إذلالنا ومقاومة كل محاولة نهوض لهذه الأمة وفي كل قطر من أقطارها وهذه هي قصة ما أسموه الربيع العربي ونفس من أسموه هذه التسمية قاوموه وحرفوه ومن خلاله جعلونا نترحم على النباش الأول مع كل فسقه وإجرامه، فالمعركة إذا هي معركة وعي وثقة بالنفس وقدرة على مواصلة الاحتمال واجتراح الحلول رغم كل الألم والمعاناة.

وختاما فكلما ازدادت ظلمة الليل اقترب بزوغ الفجر، فكل ما يجري من حولنا ما هو إلا مخاض عسير لفجر سيملأ الدنيا ضياءا وأنفاسا تشفي صدور قوم مؤمنين فانتظروا ( والصبح إذا تنفس).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :