facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مقهور في مجتمع متخلف!


سليمان الطعاني
06-12-2018 12:51 PM

هل سألت نفسك عزيزي القارئ يوماً لماذا أنت عدواني احياناً ومتوتر وتفتقر إلى العقلانية وتعجز عن الحوار المنطقي في اغلب الأحيان!

هل سألت نفسك ايضاً لماذا هذا التدهور في الأداء العقلي والحوار المنطقي بين الناس، حيث أن أي نقاش يبدأ موضوعياً واقعياً لا يلبث أن يفجر انفعالات تؤدي إلى اضطرابه ويتحول الأمر من الحوار الهادئ، إلى صراخ ومهاترات ومناكفات، وينزلق بسرعة إلى حوار الطرشان عند أول عقبة مادية أو مقاومة يبديها الشخص الآخر.

وهل فكّرتَ يوماً لماذا أصبحنا غير منظمين ونميل الى العشوائية في تدبير شؤوننا ونعتمد على أساسات عقلية بدائية في التعاطي مع واقعنا المعاش، أما الأفكار الجديدة التحضرية فيقف عقلنا عاجزاً عن تقبلها أو حتى تحليلها أو الاقتناع بها. ونلجأ إلى الخرافات والأساطير الموروثة في مجابهة الطبيعة المحيطة بنا، ونحاول إعطاء كل ظاهرة قاهرة نمرّ بها تفسيراً بسيطاً هروباً من الواقع ورضوخاً له عوضاً عن مجابهته بالمناهج العلمية المضبوطة التي تمكننا من السيطرة على الظروف وجعلها لصالحنا أو على الأقل دفع ضررها،

إذا كنت كذلك يا صاح، فانت مقهور في مجتمع متخلّف! تحس بالغربة في بلدك، تحس بأنك لا تملك شيئًا في بلدك، حتى المرافق العامة لا تملكها! تحس أنها ملك للسلطة، وليست مسألة تسهيلات حياتية لك، ذلك أن الهوّة كبيرة جداً بينك وبين ما تستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم لك إذا قُدّمت تكون كمنّة أو منحة أو فضل أو مكرمة، لا كواجب مستحق لك، وعندما لا تحافظ على هذه المرافق فإنك تعبر عن حالة القهر والعدوانية في داخلك كانسان مقهور تجاه السلطة والمتسلطين!

يقول مصطفى حجازي في كتابة التخلف الاجتماعي انه في المجتمع المتخلف يكذب فيه المتسلطون على المقهورين بوعود إصلاحية وخطط تنموية ومستقبل أفضل زاهر وما على المقهورين إلا التحلي بالصبر، ويكذب المقهورون فيه على المتسلطين أيضاً متظاهرين بالولاء والانتماء والتبعية... وهكذا يصبح الكذب جزءًا من نسيج المجتمع المتخلف بأكمله!

تكذب الدولة حين تدَّعي الحفاظ على النظام ومصالح المواطن، ويكذب البائع على المشتري عندما يبيعه السلعة، ويكذب الحرفي على الزبون، كذب في الحب والزواج، كذب في الصداقة، كذب في المعرفة، كذب في الدين...... الخ، دائرة متكاملة من الكذب وعلى كل واحد أن يلعب لعبة الكذب كما تسمح له إمكانياته، وويل لصاحب النيّة الطيبة والقلب النقي في هذا المجتمع، فإنه لا يخسر فقط من خلال استغلاله من الجميع، وإنما يُزْدَرى باعتباره ساذجًا وغبيًا لأنه لم ينخرط في جوقة الكذب والادعاء والخداع السائدة.

ويقول علم النفس أن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلّف يعيش حالة عجز، يجد نفسه في وضعية المغلوب على أمره في معظم الأحيان، يشعر بفقدان الثقة، لا يستطيع شيئا إزاء قوى المتسلطين، سرعان ما يتخلى عن التصدي والمواجهة منسحباً يائساً من إمكانية التغيير الفعّال فيسقط في فخ التوقعات والانتظار الذي يبقيه دائم الخوف عديم الثقة بقدراته على الفعل والتأثير، وأن ليس له إلا القبول بواقع لا يقهر، مبيناً علم النفس أن الأساليب الدفاعية التي يلجأ إليها المقهورون لتحقيق التوازن الداخلي، هي فقط التمسك بالتقاليد والاعتزاز بالماضي والحديث عنه والحنين اليه والذوبان في الجماعة لأجل الاحتماء بها، وقد يلجأ المقهورون إلى مَنْ يحميهم من المتسلطين، لذلك يبقون دائما في وضعية التبعية والذيلية ويفسرون الأمور دائما على انها قضاء وقدر.

ويؤكد مصطفى حجازي في كتابه أن هذا ما يجعل الإنسان المقهور في المجتمع المتخلّف تابعاً لا متبوعاً ومنصاعاً للواقع وظروفه انصياعاً تامّاً وهنا يترسخ لدى المقهور مفهوم الحتمية المطلقة والقدرية الجبرية فيسلّم نفسه للقدر مجبراً لا مخيّراً. "يأخذ الغربيون على الانسان العربي خصوصاً وعلى الشرقي عموماً استسلامه للظروف على انها قضاء وقدر."

المقهور في المجتمع المتخلّف يحنّ إلى الماضي المجيد وبطولات أسلافه فلا يتخذها عبراً وعظات فحسب بل يجعلها تعويضاً لخيبات أمله وستاراً يستر فشله، ومن هنا نفسّر تمسّك المقهور بالتقاليد الموروثة فهو يراها أمانة من أسلافه فلا يتركها حتى وإن أدرك أنه لا أصل لها في الدين وأنها تعيقه في مسيرة تطوره.

المقهور في المجتمع المتخلّف يتشبث بالكرامة والعزة كشعار ثابت ويردّدها كمصطلحات ومفردات كالرأس المرفوع والهامات العالية التي لا تنحني الا لله والجباه السّمر والكوفية الحمراء والعقل...!! وكل هذا محاولات لإثبات نفسه وإعطاءها مكاناً من معادلة الواقع ترقيعاً لشرخ القهر في نفسيته. وهو بذلك يكبت مشاعره وعواطفه ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها، بل وينكرها إنكاراً أمام الناس حتى وإن كانت تحزّ في نفسه حزّا، هذا الكبت يجعل نفسية المقهور مضطربة غير سوية، فيصعب على الشاب العربي مثلا أن يصارح أباه أو أمه بحبه له ويشعر بالخجل غير المبرر رغم أنه أقرب الناس إليه.

يخشى المقهور كثيرا من نظرة مجتمعه إليه وإلى تصرفاته حتى وإن كانت تصرفات عادية لا تخل بالذوق العام، فهو يخشى من كلام الناس وانتقاداتهم ويسبب له هذا عائقا أمام تحقيق أهدافه وبناء حياته، فمع كل خطوة يخطوها ينظر إلى جمهرة الناس وينتظر ردّة فعلهم، فإن كانت الرضا أكمل طريقه حتى وإن لم يكن مقتنعا بهذا الطريق، ويتوقف في بداية الطريق إذا رأى عدم الرضا من العامة حتى وإن كان يؤمن بذلك السبيل.

وبعد، فانه كلما ازداد القهر اتسعت الهوة وبدأ طور جديد يؤسس لعصر الانحطاط الذي ينتج من انعدام لقيمة الانسان وادميته وكرامته، يستنفذ فيه الانسان جهده للبقاء فقط على قيد الحياة على أرض شديدة الانحدار والانزلاق مستكيناً مقهوراً.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :