facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القدس حديث السماء


د. إنصاف المومني
17-12-2018 04:37 PM

من وهج وتألق ذكريات التاريخ للشرائع السماوية تبدأ انطلاقة رحلة الشموخ المتوقدة بأنوار السماء؛ لتتعانق عبق انفاس (المسجد الحرام) من مكة المكرمة، بأنفاس (المسجد الاقصى) من القدس الشريفة بأعذب مشهد كوني آسر لأعظم رحلة سماوية عرفتها الإنسانية منذ أن وضع أبونا آدم قدميه على هذه المعمورة إلى أن يطوي الرحمن السماء كطي السجل للكتب برحلة الإسراء والمعراج (الوسام والعطاء الرباني) لأعظم رجل عرفته الإنسانية في ضمير الغيب والشهود لنبي الإنسانية والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن بين تفاصيل العلو والسمو والرفعة السماوية المتفردة نقف على إيماءات واشراقات جمة، يمكن أن نختزل أبرز معالمها بالآتي:-

- إن ارتباط بداية رحلة الفتح الإسلامي لبيت المقدس برحلة الإسراء والمعراج رحلة السماء العلوية الربانية في قوله تعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى..." الإسراء (1) تحمل بين أنفاسها وثناياها رسائل ضمنية، وإرهاصات ربانية بأن المسلم حيثما وجد، فهو شامخ شموخ السماء، وإن الحديث عن القدس يرتحل بنا إلى فضاءات من عذوبة القداسة والتسامي فوق قبضة الماء والطين إلى معالي الأمور وآفاق الفعل والبناء.

- لقد أسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى القدس تحت سطوة وكثافة ظروف قاهرة من تطاول الأعداء، و خذلان الأقرباء، وألم رحيل الزوجة الحبيبة، ورحيل العم النصير... لندرك الخيط الدقيق واللحمة الوثقى بين الإبداع والهبات الربانية (فقه التمكين) – في أغلب الأحيان- بقسوة الحياة وبلهيب الصبر الجميل. يقول (كولن ويلسون) في كتابه سقوط الحضارة: "إذا أردت أن تصنع مبدعاً فعليك أن تضعه في محيط قاسٍ"، وحينما سُئل الشافعي - رضي الله عنه -

أيهما يأتي أولاً الابتلاء؟ أم الصبر؟ أم التمكين؟ قال( رحمه الله تعالى) :الابتلاء أولاً، فالصبر ثانياً، فالتمكين ثالثاً، فيوسف عليه السلام أبتلي فصبر فمكنه الله سبحانه وتعالى. كما أن هناك رسالة ضمنية أخرى ارتبطت بكثافة التحديات للعصبة الصابرة المرابطة في بيت المقدس، والثلة المؤازرة لها في شتى أطياف المعمورة من القلوب النابضة بالمحبة لأمة الخيرية، وبين ما ستواجهها من آل صهيون ومن شايعهم وناصرهم، وحجم النفوذ الإعلامي والاقتصادي والسياسي الخارق والقادر على اكتساح مكامن النفوذ والقرارات العالمية، والافساد والفساد في ألأرض والآفاق "لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" الإسراء (4) مما يجعل المرء حيرانا، أسفاً لا يملك إلا الركن الشديد باليقين القاطع بوعد الله " وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" الروم (6 )
"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا" الإسراء (5) فإن ذلك يقصي ، ويهمش، وينحي ثقافة اليأس ،والهزيمة الداخلية ،والانكسار النفسي ؛ فخطاب السماء يحمل بين أنفاسه إيحاءات و تباشير النصر الموعود ليرتقي بنا إلى سماء المجد والعلو في أقسى مراحل الأزمات: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" آل عمران (139).

- وفي قوله تعالى: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه" الإسراء (1)، نجد اقتران اسم القدس (بوابة السماء) بالبركة (السر الخفي) إشارة إلى أن بركات السماء تتنزل على الهمم العاملة الفاعلة التي لا تلوث معنى البركة بالرضا بالواقع الأدنى والانسحاب من معركة الحياة بل تلتحم بالكتلة العمرانية تبادلاً وتفاعلاً، أخذاً وعطاءً، انسجاماً مع السنن الاجتماعية العاملة في منظومة العمران والقيام الحضاري "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الرعد (11)، فاستثمار الطاقات واستنطاقها هي ليست من قبيل النافلة، فأي خاطرة لا تثمر فكرة نابضة بالحركة والفاعلية، ولا تدفع بقاطرة الشهود الحضاري فهي تيه و عبث " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" المؤمنون (115)

- ويتكامل مع خطاب السماء الرباني السابق قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم؛ إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك".

قالوا: يا رسول الله! وأين هم؟

قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس", ففيه تأكيد أن الوجدانيات العاقلة الهادفة تعني الثبات على المبادئ العظيمة ،والتفاني من أجلها لأن سر خلود الأفكار والمبادئ يكمن في القدرة على تفعيلها على أرض الواقع والثبات عليها وإلا باتت استهلاكاً للقيم والوجدانيات، وباتت أفكاراً نظرية حبيسة السطور والصدور!!!

- "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى" وفي ذلك إشارة إلى أن العبادات التي ترتقي بسمو ،وتقرب المسافات بين الخالق الأعظم وعباده يكمن سرها في نور بيوته وأن النور والبهاء والجمال يتناغم مع شخصية المسلم ونورانيته المتفردة، لذا نلحظ جلياً أن مع كل ولادة أنفاس فجر حضاري جديد نرى بصمة خالدة لعظماء التاريخ وروادها في كل الحقب التاريخية الخالدة على أرض القدس.

- إن القدس محور التضامن وقاسم مشترك لأمة الخيرية ابتداء من قبلة المسلمين الأولى ومرورا بـ " لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى" .. فالقدس توحد الأمة حتى في المشاعر المختزنة في العقل والوجدان الفطري فتوحد ثقافة الحب لما أحب الله.

- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "الشام أرض المحشر والمنشر" رواه أحمد، وفي ذلك إشارة أخرى لارتباط بدايات الحياة بخواتيمها فلا تأخذنا وتستهلكنا تفاصيل وجزئيات (دونية الحياة الدنيا )وتستنزفنا بكثافتها بل إن اللحظة الأولى من أنفاس محطات الحياة ( نقطة البداية) هي بداية و نواة خطتنا ومشروعنا الذي يعلن مبدأ الوحدة بين الدنيا والآخرة لنقطة الوصول (الحشر) الخلود الأزلي ،ومن المعلوم في علم الإدارة وفي علم الاجتماع الإنساني أن إعداد الخطة المحكمة للغد الآتي يختزل علينا مسافات لتحقيق الأمنيات بالإضافة إلى أن المنهج الإسلامي يربي وينمي في شخصية المسلم الانسلاخ والرحيل من دائرة الأنا والولاء المطلق لها وعشق الأنا العابثة إلى دائرة حب الإنسانية وحب الأمة، فالذي يحبس ذاته في زنزانة الأنا لا بد أن تفوته ولا تدركه بركات الجماعة ونورانيتها بيد أن الذي يحيا للأمة والإنسانية كأنما أضاف بركة أعمارهم إلى عمره، وإنجازاتهم إلى إنجازاته، ولابد أن يترك الأثر الطيب و البصمة الخالدة حتى بعد الانتقال المرحلي عن دنيا الفناء إلى الخلود الأزلي السرمدي. بل ويعد من اتباع منهج سنة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه :أمتي أمتي ...، والقدس قلب الأمة النابض بالحب والحراك والحياة الفاعلة ..

د. إنصاف أيوب المومني أكاديمية وكاتبة مكة المكرمة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :