facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




شخص لا يحب أن يمشي الحيط الحيط


د. موسى برهومة
27-07-2009 06:07 AM

لطالما ساءه كثيرا أن يشاهد سائقا يرمي بورقة محارم صحية مستعملة من نافذة السيارة. ولطالما أشعره بالبؤس مشاهدة فتيان في ميعة العمر يتسولون عند إشارات المرور. ولطالما ضاق صدره بالدخان المنبعث من مؤخرات الحافلات التي وعد وزير البيئة أن يخلصه من آفاتها السامة، وما انفك ينتظر.

ولأنه يمتلك حساسية تنتسب إلى فضاء أوروبي، من حيث قوة التنوير العاملة في ذهنه، والمحركة لآليات التفكير لديه، فإن صغيرَ الممارسات يصيبه بالأذى، كأن يذهب إلى دائرة حكومية لإنجاز معاملة، فيقال له إن الموظف في الصلاة، مع أن الوقت ليس وقت صلاة. ويكون أن ينتظر الموظفَ التقي الورع حتى يعود إلى مكتبه فيستغرقه الأمر وقتا بمقدور المرء أن ينجز فيه الفرائض كلها.

ولما يقفل راجعا قائدا مركبته وقد علا التبرم والتعجب محياه، يكتشف أن الطريق المؤدي إلى منزله مغلق، لأن جيرانه أقاموا "صيوانا" لعرس ابنهم الذي سيزف بعد يومين، ستنفتح خلالهما جبهة سيطلق فيها رصاص وذخيرة حية أكثر من تلك التي استخدمت في حرب حزيران.

الأمر لا يحتاج إلى مرافعة عقلانية تندلع فيها الأسئلة المنطقية التي ترمي إلى البحث عن المبررات التي تدفع إلى مثل هذه الممارسات التي تغتصب الشارع والفضاء والسكينة، فيتذكر على الفور تصريحات وزير الداخلية الذي وعد وهدد بأن يقضي على هذه الظواهر "غير الحضارية"!

ويساوره شك في أنه "أعوج" ومثالي أكثر من اللازم، ولا يحب أن يمشي "الحيط الحيط". ويحاول أن يقنع نفسه بأنه ليس كذلك، بدلالة أنه يطرح أسئلة تتسم بالبداهة، من مثل:

- كيف لحكومة فيها أشخاص تدور حولهم علامات استفهام تتصل بالنزاهة، ويبقون ضمن الفريق الوزاري، حتى بعد تعديله؟

- كيف لمسؤول حكومي أن يقيم مأدبة غداء لأربعمائة شخص تبلغ فاتورتها مائة ألف دينار، من دون أن يخضع لمساءلة ديوان المحاسبة؟

- كيف لفتى صغير مثل ورد اختفى منذ 93 يوما ولم يجرِ العثور على طرف دليل يبين، ولو قليلا، إن كان على قيد الحياة أم أكله الذئب؟!

- كيف لمؤسسات مجتمع مدني تدافع عن النساء أن تصمت عما يقترفه المجتمع البطريركي بحق نصف المجتمع ومستقبل العالم من قتل بشع باسم "جرائم الشرف" يباركه المشرعون، وينال المجرم فيها حكما مخففا يمنح غيره رخصة من أجل قتل المزيد من النساء وحرقهن وسلخهن وتعذيبهن؟

- ولماذا يبيح الفقهاء وطائفة المشايخ، بتشدد وإصرار، لباس المرأة النقاب بعدما ارتكبت تحت أستاره جرائم كشفت مديرية الأمن العام عن ويلاتها، والمخفي ما انفك أعظم. أليس في جمهور هؤلاء العلماء من يخرج على الناس شاهرا شجاعته ليبلغهم أن النقاب ليس فريضة، وأن حماية المجتمع لها الأولوية القصوى؟

- ولماذا يصيب بعض السياسيين في بلادنا الهلع كلما جرى الحديث عن الحل النهائي للقضية الفلسطينية. لماذا تنبثق المخاوف، كأنما الحل سيغير هوية الدولة ويطيح بمستقبلها ويضعها في مهب الريح والتذويب واللبننة والجزأرة والصولمة والبلقنة؟!

ويحدث أن تتصارع هذه الأسئلة في عقل الكائن الذي يروعه أن يجري هذا الأمر، وأن يتطامن الناس، في جلهم، حوله، ويتواطأوا على الصمت عن بشاعاته التي ترفع ضغط المرء وتصيبه بالنكد والإعياء، وتجعل الدنيا في نظره "أضيق من مرور الرمح في خصر نحيل"؟

أليس من طبيعة الأشياء ألا تجري كل تلك الويلات، وغيرها من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تتسع آلاف الصفحات لمجرد ذكرها وتعدادها؟

يعلم الكائن المنتسب إلى فضاء تفكير هضم الحداثات وأعمل فيها نظرا وبحثا، أن شمعة نقده لما حوله من انتهاكات متواصلة لأبسط المعاني الإنسانية، ستداهمها الرياح الهوج والعواصف الغاشمة، لكنه واثق من أن الشعلة لن تنطفئ. ربما ينوس نورها قليلا، لكنها تبقى مضيئة، ولهذا فإنه يحاول بما أوتي من عزم ومن كفين لا يتخللهما الضعف والارتخاء أن يحفظها ويحافظ عليها ويجعلها قنديل أمل لا ينضب ولا يتبدد.

m.barhouma@alghad.jo

** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الغد ..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :