عمون - تستمد الفنانة الباكستانية، سيما نصرت، أعمالها الفنية من المجتمع الحضري وما نراه من أبنية مرتبط بالحياة اليومية، وتتجلى هذه الفكرة في أعمالها التي تأتي على صورة منحوتات، عُرض بعضها في منارة السعديات في أبوظبي أخيراً.
وتغلق نصرت مدخلاً مركزياً بأكياس الرمل، في عمل جديد لهذا المعرض، ونظراً لوجود هذا العائق يبحث الزائرون يميناً ويساراً عن مدخل آخر لمشاهدة المعرض.
جانب خفي للخطر
وكثيراً ما تتسم أعمال نصرت بوجود عوائق وحواجز تنتشر بكثرة في بلدتها الأم كراتشي، حتى أصبحت جزءً من طابعها المعماري وتشير هذه الحواجز التي تمثل عوامل دفاعية ووقائية إلى الوضع السياسي المضطرب والقبول الحذر للحاجة إلى التأهب، نظراً لوجود خطر مستمر، وبعيداً عن سياق المعرض، يمثل التهديد باستخدام أكياس الرمل فكرة غريبة ومؤذية، لكنها تحتوي في داخلها على جانب خفي من الخطر.
وتشير نصرت في عملها "الارتفاعات الداخلية" إلى ثقافة التحصين في كراتشي، لمن يستطيع الحصول عليها، حيث يتم بها تأمين المباني وحمايتها من الاضطرابات والعنف المحتمل، وستخدم في أعمالها عموماً هذا التمثيل المرئي للنظر، في إضفاء للطابع السياسي المتزايد على الطراز المعماري في المدن في الفترات المتقلبة.
الأوقات المريرة.. لغة السُلطة
ويقول القيم الفني، أليكس كوبرسكي:"ليس كل ما هو غامض ومثير أمراً جيداً بالضرورة كما ترى نصرت، لذا فإن المعاني لضمنية لعملها هذا يعري وجه الموجودات التي تحمل فكرة المطالبة أو الفرض والإجبار باتخاذ موقف ما في سياق الحركة أو التعبير البشري الطبيعي، في مسراه، كون العوامل المضطربة وأحياناً القمعية أو الطبقية بشكل ما، هي التي توجه تلك الفكرة، ذلك الشعور بالانقباض أو الشجن حتى، بعد الحدث وما وراءه، أمور عديدة على تماس مع السلطة وقبضتها في الأوقات المريرة أو المعقدة للناس".
ويضيف كوبرسكي: "إن أعمال نصرت تحكي واقع المدن ومن يعيشون فيها، ولكنها تشي بمستقبل كذلك في حال أدت التغييرات السياسية أو الاقتصادية أو الحركات الفكرية لذلك، وهو أمر ناقشته في ندوات فنية عدة، سواء فيما يتعلق بالمباني أو الموجودات الرسمية والمحلية، وفي أعمال نصرت تعبير عن كيف تصبح أمور كهذه شكلاً واقعاً مترسخاً في حياة الأفراد، أو جارحاً وقابضاً، وكيف يصبح الأمن ورمز الحل خوفاً، وعنفاً، وكيف أنها برغبتنا أو دونها شكل موجود يغير أدواره وأدوارنا في نفس الآن حسب تجذر لغة السلطة المادية وعلاقة الجموع".
مشوب بقلق.. تواطؤ
وتقول طالبة الفنون، شانون بويرس:"ما يكمن وراء كل ما تجسد شكلاً يومياً من ممر أو حاجز أو بناء، يسيطر بشكل كبير على لا شعورنا تجاه الزمن والحالة الذهنية أثناء الاحتكاك به أو رؤيته أو مواجهته، إنه طابع بريد بين الحقيقة ورغبات الذات، وهو ثقل غالباً في حدود الانطلاق والعفوية في ممارساتنا، وهذا ما تثير نصرت في أعمالها، خاصة ما يعرض منها في منارة السعديات، وإنه لمن المدهش حقاً كيف تنطوي رسائل لا حصر لها في عمل قد يبدو بسيطاً، أو عائق ما، كما أن اللافت في أسلوب نصرت، قدرها على إثارة شعور الريبة والترقب المشوب بالقلق لما يستقر في أعمالها من بعد يذكر المشاهد بجسامة الأحداث والدلالات المعينة لما يقبع في الشوارع والأماكن، خاصة في كشفه الواضح ككيان يقترب من بتؤدة، يجسد السلطات بوجهها المخيف أو الساعي للنيل منك أو من الآخرين، وكذلك يذكرك في أحيان أخرى بالضيق ومحاولات الإفلات العفوية من عديد مواقف الحياة التي تفرضها على الفرد المجموعات، قريبة كانت أم بعيدة، حميمة أم قاسية، عادلة أم ظالمة".
وتقول طالبة الفنون، فاليري كاليتليتو:" إن سيما نصرت، تعد واحدة من أبرز الفنانين الشباب في شرق آسيا، ولها مشاركات داخل بلادها، وفي المنطقة العربية، وكذلك في أوروبا وأمريكا، وتسير باتجاه عالمي للفنانين المعاصرين الشباب، وتشير تماثيلها وصورها ورسوماتها وأعمالها التركيبية إلى قدرتها على استيعاب وصياغة الرسائل الخفية والأساليب المشحة بالغرابة لتقدمها في تصور يبدو غريباً ولكنه يتعاون مع المشاهد بتواطؤ ذاتي من رؤية هذه الفنانة نفسها، وتجعل من الأعمال المتعلقة بالعمران والهندسة في جانب الفن، مواضيع أكثر قرباً وتأثيراً في الجمهور المتعرض لها".