facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أعيدوا النظر، يا مجلس النواب!


ياسين بني ياسين
20-03-2019 07:50 PM

إن مجلس النواب هو المؤسسة الرئيسة الفاعلة في كل مجتمع من المجتمعات الحية الناهضة. وهكذا يجب أن يكون مجلس النواب الأردني، بلا تدخل من أي جهة مهما كانت، وبلا محاولة من أي أحد وضع العراقيل والعقبات على طريق هذه المؤسسة التي هي نبض الأردنيين وضميرهم وصوتهم المسموع. هذا إن استطعنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية.

مجلس النواب هو المؤسسة الوحيدة التي تخرج من بين صفوفنا باختيارنا نحن، لا باختيار غيرنا إلا ما خفي علينا. فأعضاء هذا المجلس الموقر "منا ولنا"، ونحن الذين نضعهم في هذا المكان المحترم، ونحن الذين نوصلهم إلى هذه المكانة المرموقة، ونحن الذين نطلب منهم ونطالبهم بأن يرقوا دائما بأنفسهم وبالمجلس كله إلى المستوى اللائق بنا وبهم وبالمجلس الكريم، سمعة وحرصا وأداء. نعم! فسمعتهم سمعتنا جميعا، وحرصهم دليل اهتمامهم بمصالحنا، وأداؤهم يعود نفعه - إن حصل - علينا وعلى الوطن بأكمله.

أما الفوضى المفتعلة التي حصلت في مجلس النواب أول أمس والناجمة عن التفسير الخاطئ لما قاله النائب محمد هديب عن فلسطين، فقد جعلتني في حيرة من أمري، مثلي مثل الكثيرين من أبناء هذا الوطن الحبيب. صحيح أن هذه الفوضى لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها كانت غريبة كل الغرابة في أسبابها ودواعيها. إن الأسباب التي دعت إليها وأثارتها كانت، في رأيي على الأقل، أكثر وجاهة وأعظم نبلا وأسمى مقصدا من نتائجها وتداعياتها. إنها الأسباب التي كان يجب على الإخوة النواب أن يتبنوها على قلب رجل واحد، لا أن تكون سببا فيما بينهم للاتهام والتبرئة، ومن ثم الاتهام المضاد، وبعد ذلك يأتي العراك تاليا.

ولا يظنَّنَّ ظانٌّ هنا أنني أزكي الأخ النائب محمد هديب. لا، وألف ألف لا. إذ العبرة عندي في القول لا في القائل، بغض النظر عمن هو. ونحن في الأردن نقول أكثر مما قال أخونا النائب محمد هديب. ومؤتمر البرلمانيين العرب الأخير، الذي انعقد في عمان، لم يجف حبر بيانه بعد، ولا تزال أصداء كلمات البرلمانيين الأردنيين فيه تتردد في آذاننا.

بعد مراقبة ما حصل، وبكثير من الدهشة والاستغراب، أيقنت، بما لا يدع مجالا للشك أو الارتياب، أن مجلس النواب الأردني بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بمواقفه، ومراجعة حساباته، ومعالجة المواضيع التي تطرأ على أجندته، بمزيد من الحكمة والتعقل والرزانة والموضوعية، بعيدا عن "الشخصنة" والانفعال والقلق والتوتر و"تسطيح" الأمور، التي جميعها تودي بالمؤسسة، أي مؤسسة، إلى فقدان الاتجاه وضياع الهدف، ومن ثم الفشل. أقول هذا الكلام وأنا بعيد كل البعد عن أي ميل أو زيغ أو هوى شخصي، مهما كان نوعه أو كنهه أو دواعيه، إذ إن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

لقد كنت عضوا في مجلس النواب مرتين، وهذا شرف كبير لي. وقد كانت تحصل في المجلسين اللذين كنت عضوا فيهما أخطاء كثيرة: فردية وجماعية، لا فرق. وما زالت الأخطاء تحصل هناك، وسوف تظل تحصل ما دام هناك مجلس نواب. لكنني كنت دائما، وسأبقى، أقف موقف المدافع عن المجلس، كمؤسسة محترمة، وكأفراد إذا أثبتوا حسن نواياهم . وكنت أقول دائما، وما زلت، إن الأخطاء تحصل في كل مكان، ولا أحد من البشر معصوم، إلا من كانوا ذوي عصمة. كما كنت أقول دائما، وما زلت، إن الخطأ الفردي يجب أن لا تؤاخذ به المؤسسة، ولا سيما مجلس النواب في هذه الحالة، الذي هو ضمير الأمة ونبضها ولسانها الناطق بالحق والعدل والحرص والغيرة، في كل المناسبات، وكل الأحوال، وكل الظروف. وأخذ الكل بجريرة الفرد ظلم، وأي ظلم.

وسواء أكنت عضوا في المجلس أم لا، فإنني دائما أقول إن مجلس النواب أفضل من أي مؤسسة رسمية أخرى لأنه خيار الشعب، والشعب يعرف كيف يختار ومن الذين يختارهم لتمثيله. وسيظل هذا رأيي بالمجلس كمؤسسة، وبالناس كناخبين. ولن يغير رأيي هذا التدخل السافر الذي يحصل أحيانا في العملية الانتخابية، كما لن يغيره الأخطاء الفردية التي تصدر عن بعض الناخبين.

ما شاهدته يوم الاثنين الماضي جعلني أقف وقفة تأمل بيني وببن نفسي، وأقول إن ما حصل في ذلك اليوم يعتبر نقطة سوداء في صفحة هذا المجلس العتيد، وهي الصفحة التي يجب أن تظل ناصعة البياض، نقية المحتوى، شفافة المرأى، مفتوحة أمام كل الناظرين.

حين كنت أراقب الحدث، بدءا من الحديث المرتجل للأخ النائب محمد هديب وليس انتهاء بردة الفعل التي حصلت من بعض الإخوة الذين انفعلوا انفعالا غير مبرر، ظننت أن أنني أمام تمثيلية كوميدية في مسرح من المسارح، لا أمام نخبة من ذوات القوم وسراتهم يناقشون قضية يؤكد الأردن - قيادة وحكومة وشعبا - أنها قضيته الأولى في كل المحافل وعلى كل المنابر ومن كل المنصات، محليا وإقليميا ودوليا.

الإخوة النواب الذين أحدثوا الفوضى اجتزأوا من السياق عبارة أو عبارتين، وثارت ثائرتهم. وبعد ذلك اختلط حابل المجلس بنابله، وصار المشاهدون في حيرة من أمرهم، لا يعرفون "ديانها من المطالب". وكثير منا كذلك ما زال لا يعرف من كان "الديان" ومن كان "المطالب". وأنا هنا لا أريد أن أحكم إن كانت تلك الفوضى بإيحاء من جهة، أم إنها أتت عفو الخاطر. إلا أنني سأترك الحكم للذين أحدثوها أنفسهم، وسأضع الأمر كله بين يدي علام الغيوب.

في تلك الجلسة(؟؟) نسي الإخوة النواب، وبخاصة الذين ثارت ثائرتهم، أو تناسوا، أن الأمة العربية كلها في خطر ليس له حدود أمام الهجمة الاستعمارية الحاقدة الممنهجة، والتي رأسُ حربتها المسمومة يتمثل بالصهيونية التي دخلت حتى غرف نومنا، نحن العرب.

إن المراقب لما حدث تحت القبة إذ ذاك يتساءل في قرارة نفسه كيف ستكون ردة الفعل من الإخوة النواب لو أن النائب محمد هديب قال: العروبة كلها تحتضر، التاريخ يحتضر، الحاضر يحتضر، المستقبل يحتضر، فلسطين تحتضر، الأقصى يحتضر، القيامة تحتضر، دويلات الأمة العربية كلها تحتضر؟ ماذا لو قال إن الأخطبوط الصهيوني مد أذرعه النتنة في كل اتجاه وهو الآن يحاصرنا في كل مكونات حيانتا: عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا ونفسيا ودينيا، وبكل وسيلة ممكنة؟ ماذ لو قال أخونا النائب محمد هديب إن الأمة كلها - كأمة - تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة، وبتواطؤ من الكثير من المحسوبين عليها، ولم يبق أمامها إلا أن تطلب الكفن؟

ماذا لو قال النائب المذكور كل هذا وغيره؟ هل كان النواب المحترمون سيفقدون صوابهم، كما فقدوه في تلك الجلسة، وبعد ذلك يَبرقون ويَرعَدون (ويمطرون) كما بَرَقوا ورَعَدوا (ولم يمطروا طبعا) حينذاك؟ أستبعد ذلك كل الاستبعاد، فقد أصبحنا - إلا من رحم ربي - نركز على الهوامش ونغفل المَتْنَ الأساسي.

إن عدو هذه الأمة - القديم المتجدد - لم يرحمنا عندما أتانا ظالما (ولا أقول حاملا) الصليب قبل ألف سنة. وهو نفسه، لا غيره، لم يرحمنا عندما "أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق". ولا هو يرحمنا الآن في العراق وسوريا واليمن والسودان، وغيرها من بلاد العرب. وكونوا على يقين أن هذا العدو لن يرحمنا في يوم من الأيام إلا إذا رحمنا أنفسنا. نحن، لا غيرنا، هُنّا على أنفسنا فكان هواننا على كل الناس أسهل. أعداؤنا أذلونا في كل مناحي حياتنا، ونحن "نتنتافخ ونتنافح ونتنافظ ونتحارب" فيما بيننا فلا - نؤذي إلا أنفسنا ولا نلحق الضرر إلا بقضايانا، ولا نزيد عدونا إلا طمعا فينا. أعداؤنا استخدموا ويستخدمون وسيستخدمون كل وسيلة متاحة لهم لإخراجنا من عوالم الجغرافيا والتاريخ والسياسة والاقتصاد وكل عالم آخر، ونحن نحاربهم بالكلام الذي يؤخر أكثر مما يقدم، ويؤذي أكثر مما ينفع، ويمرض أكثر مما يعالج، ويضر أكثر مما يفيد.

أما آن الأوان أن نراجع أنفسنا، وأن نعيد النظر بحساباتنا، وأن نحمل مسؤولياتنا وأن نتحملها كما يجب علينا أن نحملها وأن نتحملها؟ أوما آن الأوان أن تكون هذه حال مجلس النواب، الذي يجب أن يكون في مقدمة ركبنا ليقود مسيرتنا الظافرة المظفرة، بإذن الله؟

وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز : "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :