facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عجلون .. روح الكبرياء، ويـتم الدلال ..


د.امتنان الصمادي
24-10-2009 10:56 PM

لعمان أن تنزاح قليلا عن اسوداد العين فتترك مساحة الذكرى تنشط، لعلها تعيد بناء ذاتها في ضوء الماضي الجميل المختزن صورا للوحات ملونة من ورق السنديان العصي على عبث حبات المطر وهبات الريح. وما دامت روحي ظل (جلعاد) المكان الذي أعرفه جيدا تصنع لي مائدة الوفاء ، فلا ضير من الوقوف ما بين شارعين على حافة الذاكرة الموجوعة بعصب الكلمات، فهي كل ما لدي من حصون منيعة أمام أنانية العواصم المنسوجة بخيوط الحرير، وشراب العطور المعد للجميلات مهما كان رخيصا.

وأسأل كيف استطاعت عجلون المدينة التي لم أولد بها أن تبقى حبلا سريا يلتف حول شراييني رغم مساحة الزمن الطويل الذي مر بي بعيدة عنها .

ها هي رائحة المكان تهب علي لحظة الكتابة فتنهض قامات اللزاب والصنوبر وكأن زمانها المقدس ما زال محروسا بين سلسلة جبال عوف منذ العصور البيزنطية حتى الآن يدعوها للنهوض فتستجيب بوداعة ملفعة برداء الثلج الأبيض في شتائها القارس المشتد على أهلها في ليالي الكوانين لعله يحفظ لها مقامات الأجداد من الأولياء الصالحين والأتقياء من الصوفيين، وتوحدعائشة الباعونية مع عشقها المطلق. ولاتفتأ تطل مزينة بردائها الأخضر في مساءات صيفها العذبة المدلاة من شرفات المنتظرين قدوم سائح يبحث عن ابتساماتهم بوصفها علامة أمان اعتادوا أن يقدموها للغرباء .

ها قد كبرت يا عجلون بعيدا عن دروبك التي كثيرا ما تسلقتها وكنت أحسبها بعيني الصغيرتين جبالا شاهقة لصعوبتها وكثرة تعرجاتها، ولم تشيخي وأنت التي تتسامحين مع أبنائك فسمحت لزمنهم أن يتمدد بعيدا عنك، لكنك لا تشيخي أيتها المرأة الرزينة التي لم تعرف يوما كيف تلف شباكها حول خاصرة محبيها، ولا ألومك فما عرفت الدلال يوما، والدلال يا سيدتي يتغذى على مفردات العشق وأنت ما زلت تتعففين عن هذه الألوان، مع أنني تعلمت من لوحة بساتينك مزج الألوان عندما كانت جدتي ترفعني إلى ظهر الدابة وتسير بي نحو بستانها في عين القنطرة، أجمل وديان المدينة على الإطلاق، حيث تبتلعك الخضرة ولا تسمح للسماء بأن تراقب ناسك المجهدين، فنسير في ممر الدواب الرملي الأبيض الضيق الذي يرتاح في بطن الجبل وجدتي منهمكة برصد حركة الرمال البيضاء الناعمة المتطايرة كي لا تصل إلى قدمي العمانيتين، وتحاذر ألا أنظر إلى الوادي العميق فأصاب بدوار، وتشاغلني بالتقاط حبات المشمش المتساقطة من الأشجار بقولها: كيف ترين هذا المنظر يا جدة أخضر وبرتقالي وأصفر وأحمر على صحن أبيض، وعندما ترى الدهشة قد لوحت وجهي تردف بسؤالها المعتاد: هل عندكم بعمان مثل هذا الصحن؟ ولم تعرف جدتي أنني ما عرفت طعم الألوان إلا بفضل لوحة هذا الفضاء في بلد المياه والفواكه فكانت أولى لوحاتي التي رسمتها قلعة عجلون وقد غرقت بالأخضر.

ها أنا يا عجلون أقف على بوابتك حيث شجرة الكينا الباسقة وأتذكر كم أخافنا من يكبروننا في عمر الطفولة المخشوشنة بحجارة دق حبات الجوزالطرية، من خطر الوقوف تحتها لأن بيوت الأفاعي في أعلاها تشكل رصدا يمنع العابرين مثلنا أن ينظر إليها ويقتحم حرمتها، هل ما زال رصدك لا يقبل الغرباء والعاقين من أبنائك يا سيدتي؟

أنت تنامين بين شارعين وأنا على حافة الذاكرة يأخذني أحدهما إلى بساتين الجدات بمحاذاة القناطر المخضوضرة، والثاني يتعرج بي نحو السماء باتجاه قلعتك الشهيرة مرورا بالجامع الكبير المبني في العهد الأيوبي ومئذنته الأعلى التي بناها الظاهر بيبرس، وشارع البعاج المسمى تخليدا لذكرى أحد أجدادي الأولياء الصالحين،الذي ظللت أسال عنه كلما مرت بي الطفولة على حجارته الإسفلتية: ترى ماذا فعلوا بالشال المسروق المستخرج من بطن البقرة المبعوجة؟ وترتاح الأنفاس المجهدة عند عتبات مار إلياس مسقط رأس النبي إلياس عليه السلام، ومحج المسيحيين حيث يقطن بين شجرالزيتون (الروماني) الذي يزيد عمره على المئة عام وشجرالملول والقيقب والبطم والخروب وصولا إلى حيث لوحاتك الفسيفسائية التي لم تميطي عنها اللثام إلا منذ عهد قريب.

وليس أدل على تمنعك يا سيدة الجبل من عبارة الشيخ شمس الدين الدمشقي(727هـ) الذي وصفك في كتابه بأنك: "حصن حسن حصين" فحق لحسنك أن يكون بين حصنين : غابات اشتفينا وسلسلة جبال عوف التي تنز مياهها من بطونها السرية لترضع الوديان ماء الخلود حيث وادي الريان ووادي عرجان ووادي راجب وعين التيس النبع الذي يتغنى به اهل الشمال بقولهم:"من لم يشرب من عين التيس ولم يأكل البلوط لا يحق له أن يكون عجلونيا"، والقلعة العظيمة التي بناها القائد عز الدين أسامة بأمر من صلاح الدين الأيوبي لحماية دمشق من عبث الصليبيين حصنك الثاني.

فقلعتك الشامخة الرابضة على أعلى جبالك والمحاطة بأبراج ستة صمدت أمام الظواهر الطبيعية وما زالت تقف بكبرياء، وأذكر أنك ما فتئت تحضرين العالم إلينا ونحن (نمرجح) أقدام الطفولة على احد أبراج قلعتك فتمدين فضاءك أمامنا كي نطل على مرتفعات القدس من فلسطين وسلسلة جبال سوريا وجبل الشيخ والبحر الميت نراقب الزمن الآتي من الطفولة والتاريخ حيث كنت تقفين مثل عروس البر وهمزة الوصل بين بلاد الشام وساحل المتوسط، وكنت قمرا للقوافل المحملة بالكستناء والبخور فتتخضبين على خجل بالقليل من حناء المارين. وكنا ونحن نمر بك صغارا لا يمانع الأكبر منا شقاوة أن يقصوا علينا حكايات الهبوط من علاك لتستقر صدى حكاياتهم في الخندق العميق الذي يلف خصرك، وكيف أن الفتاة التي تدعى كوكب قد سقطت من أعلى أبراجك إلا أن ثوبها استحال مظلة يحميها من الموت المحتوم فلم تمت بفضل غفرانك لها، لعلهم بشقاوة حكاياتهم تلك يحثوننا على التجربة .

يا أرض الجعدة والسوسنة السوداء كيف لك أن تظلي بعيدة عن عيون محبيك وفيك عينا جدي المحفوفتين بكوفية بيضاء وقمباز رمادي يلف به إصراره وعزيمته وحبله كل ليلة ليسري وقد خبر الدروب في أحلك سماواتها لبيع العنب في بيسان ثم يعود محملا بالحوائج الجميلة وإخوتي ما زالوا يغطون في أحلام القرصنة تحت لحاف الصوف الثقيل الذي لا نقوى على زحزحته عن أكتافنا فيرسمون مخططات لصيد العصافير ولشد ما كنت أبكي عندما يصيد جدي أحدها كرمى( للعمانية) القادمة من أرض الإسفلت وشبابيك الحجارة لتدرب عينيها على التقاط الجمال المصنوع من شبكات رؤوس الجبال الخضراء والمياه العذبة وبيوت مسترخية تمدد اطرافها بلا أسوار. ثقة منه بأرضك التي لم تسر بها يوما عروق الجفاف.

عجلون، أما زالت سماؤك مصنوعة من رؤوس السنديان الخضراء كما كنا نراك ونحن صغار، هل تسمحين لزائرك أن يرى سماءك من بين شقوق وريقاتك الخضراء ويرى أرضك من بين منابت الجعدة والسوسنة السوداء. لعله يعرف مواطىء قدميه فلا يزل مرة أخرى؟
كبرنا يا عجلون فهل ما زلت تتمنعين على المغازلة، لقد نأى زمان يـتمك وحان وقت الدلال ما دمنا عدنا نعلن حبنا ونخلع مشاريع العقوق القديمة.لنطرح مشاريع الحياة.

*الصمادي أكاديمية وكاتبة اردنية.
imtenansmadi@yahoo.com





  • 1 محمد ابوصيني 27-01-2010 | 04:53 PM

    شكرا لهذه المقالة , بل اكثر من مقالة
    وصدقتي في كل كلمة قلتها
    فهي تعبر عن انتمائكي الصادق للوطن والموطن
    مهما عملنا وقمنا فداء لهذه البلاد فيبقى حقها علينا
    وشكرا
    والى الامام

  • 2 طارق الصمادي 15-10-2010 | 09:38 PM

    لم استغرب هذة الكلمات الطاهرة منكي يا بنت الاطهار رحم لله اباكي.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :