أمام حادثة الاعتداء على المهندس ليث شبيلات لا شيء يطغى على مشاعر القلق التي تثيرها, ولأنه ليث, انه قلق من نوع مختلف, ليس على الازمة الاقتصادية ومشكلة البطالة, انما قلق وطني يضاف الى مناخ عام يلف البلاد بات يحاصر الرأي والرأي الآخر, امّا بتجاهل الناس وانتقاداتهم ومطالبهم على طريقة " قولوا ما تشاءون ونحن نفعل ما نشاء " , او باقصاء اجباري للتيارات والنخب السياسية والاحزاب وقطاعات المجتمع المدني عن المشاركة والمساءلة, والشفافية, وسيادة القانون.
كنت امس الاول استمع الى تصريحات وزير الدولة لشؤون الاعلام التي احتفت مع وسائل الاعلام الرسمية بتقرير منظمة مراسلون بلا حدود حول التقدم في الحريات الصحافية في الاردن, التقرير الذي اشار الى اننا نحتل المرتبة بعد المئة على المستوى العالمي والمرتبة السادسة على المستوى العربي, وهو ما لا يستحق الفخر والاحتفال, مع ذلك نقول ولا زلنا »خير وبركة«, لكن بعد حادثة الاعتداء على ليث شبيلات فان المطلوب من الحكومة خاصة رئيسها ووزير الدولة بذل جهد اعلامي وسياسي كبير لاقناع الرأي العام بما فيه الاوساط السياسية والاعلامية والحزبية والنقابية بان الاعتداء على ليث شبيلات لم يكن بسبب ندوة او تصريحات تلفزيونية وان يقدم الرئيس من الكلمات والنوايا والاجراءات ما يؤكد بان هذا الاعتداء لن يمر من دون عقاب, لانه اعتداء على احد رموز المعارضة وايضا على الحريات العامة وفي المقدمة حرية الرأي اذا كانت هذه الحكومة حريصة »كما قال وزير الاعلام بالامس« على تجسيد شعار الملك بان حرية الرأي سقفها السماء.
ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها سياسي ونائب وصحافي للضرب في الشارع على يد مجهولين, وغالبا ما يكون المعتدى عليه قد عارض او انتقد سياسة حكومية. لكن مرّ من الوقت ما يكفي لاثبات ان الحكومات عاجزة عن جلاء الحقيقة, فلا المعتدون القي القبض عليهم ولا الرأي العام اقتنع بان السلطة بريئة من هذه الاعمال!
ليث شبيلات لم يحمل يوما سلاحا ضد الحكم, ولم يرم بحجر اثناء مظاهرة او اعتصام, بل انه منعزل عن النشاط العام في المعارضة منذ عدة سنوات, هو لا يملك غير لسانه وقلمه, والذين هاجموه هم عصابة ليس الا, لانهم ان كانوا قد انتقموا لشيء في نفوسهم المريضة والجبانة فانهم اساءوا للبلد ولنظامه السياسي, وايضا ساهموا في تغذية الاشاعات والاقوال التي اصبحت تتردد على كل لسان, باننا اصبحنا نعيش في بلد ينعدم فيه الامن, ولا يُحترم فيه القانون.
لا اصدق ولا اريد ان اوافق احدا بان حادثة الاعتداء على ليث قرار سياسي من جهات في الدولة والحكومة, لاننا نعيش في دولة وفي ظل نظام له من الاستمرارية والاستقرار والتجربة ما يجعله بعيدا عن مثل هذه الحماقات وتصرفات الاستبداد, فرأس مال النظام هو صفة الاعتدال وحرصه على تقاليد واعراف الاحترام المتبادل بينه وبين فئات المجتمع بما في ذلك قوى المعارضة.
لكني في الوقت نفسه لا اوافق الاوساط الحكومية القول بان المشكلة (مجرد طوشه) فهذا, رغم عدم القناعة به, لا يعفيها من المسؤولية. هذه الحكومة وليس احد غيرها مسؤول عن جلب المعتدين الى العدالة حتى تتبين للناس الحقيقة. انها ليست حادثة سطو للص على منزل »وبالمناسبة ما اكثرها اليوم« انما حادثة سطو على حريتنا وكرامتنا وحقنا في المواطنة. رمزية الحادثة اكبر من ليث ومن المعارضة وغير المعارضة, انها ومهما يكن من يقف خلفها يجب ان تلاحقه العدالة.
باختصار, إما ان تثبت هذه الحكومة انها اهل في المرجعية الامنية والاقتصادية, التي يجد عندها المواطن الامن والامان عندما يحتاج ذلك, او عليها ان تعلن فشلها, ويكفي ما نسمع بانها لا تملك من امرها شيئا, اذن من الذي يملك? من يسمح للفاسدين التنعم بفسادهم? من هي الجهة التي تعتقد انها فوق القانون سواء كانت مراكز قوى او مراكز فساد في المجتمع!
المطلوب هي الحقيقة ومسؤولية جلائها تقع على الحكومة وحدها. وغريب ان يقرر الناطقون باسم الحكومة انها مجرد (مشاجرة) وهم لم يلقوا القبض بعد على المعتدين!!
هذه الحكومة باتت تفضل الصمت ويسود الشعور بانها غير قادرة على فعل شيء, ليست هذه وظيفة الحكومات. فاذا فقد الناس الثقة بانها المرجعية والجدار القانوني لحماية المواطنين, لن يفيدها عندئذ بيانات لا تقنع صبيا صغيرا.
taher.odwan@alarabalyawm.net