"تسونامي" قناة الجزيرة : 13 عاما من التمرد
01-11-2009 01:02 PM
خصّ الزميل سمير الحجاوي وهو من معدي البرامج والتقارير والاخبار في قناة الجزيرة الفضائية القطرية "عمون" بمقال من الدوحة حول المحطة التي تحتفل بمرور 13 عاماً على ما اسماه تمردها .. تأسيسها ..
*****
احدث انطلاق قناة الجزيرة قبل 13 عاما هزة كبيرة في المياه الراكدة للإعلام العربي، بل إن البعض اعتبرها بمثابة تسونامي لا يمكن التصدي له.
وبالعودة إلى الوضع الإعلامي العربي قبيل انطلاق الجزيرة نجد أن الحالة الإعلامية والصحافية في العالم العربي كانت، ومازالت، تتمحور حول الإعلام الرسمي والحزبي وصحف المعارضة والصحافة الأسبوعية والدوريات والصحف المهاجرة والصحافة الصفراء على أنواعها.وهي حالة تحكمت فيها الدولة بمفاصل الحراك الإعلامي، وسيطرت على البث التلفزيوني والإذاعي، وقننت إصدار تراخيص الصحف، وسمحت بإصدار صحف "مدجنة"، وأطلقت العنان للصحافة الصفراء، وعملت على احتواء الصحفيين بالترهيب والسجن أو بالترغيب عبر ما يطلق عليه " الاحتواء الناعم".
في ظل هذا المشهد القاتم للسيطرة الرسمية شبه المطلقة على وسائل الإعلام، وعلى تدفق المعلومات وتداولها، جاء تأسيس قناة الجزيرة، في الأول من نوفمبر تشرين ثاني عام 1996، كأول محطة عربية متخصصة ببث الأخبار على مدار الساعة لتشكل علامة فارقة في الإعلام العربي ولتكون أول قناة عربية تخاطب العالم برؤية مستقلة ومهنية ودقيقة وموضوعية، وتنقل ما يجري بعيون عربية، وبخطاب واضح يبتعد عن المقاربات الرسمية أو الرؤى الغربية التي تتحكم بتدفق المعلومات في العالم.
يمكن اعتبار الجزيرة ظاهرة ساهمت بأحداث نقلة نوعية في الإعلام العربي، بل والتأثير في مجمل المشهد الإعلامي العربي.ونجحت بتحقيق اختراقات كبيرة بسبب
اعتماد الحرية والحرفية ومصداقية الطرح، والسماح لكل الآراء أن تعبر عن نفسها،من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بشكل يبدو لدى البعض متناقضا إلى درجة الذهول، مما جعلهم ينظرون إليها بوصفها "خلطة" عجيبة غربية.. تجمع المتناقضات والأضداد والثنائيات المتنافرة في فضاء واحد، وهي نظرة تفتقر للعمق، لأنهم عجزوا أو "لم يرغبوا" باستيعاب "معادلة الجزيرة الجديدة"، وسعيها لمنح الرواية الأخرى منبرا للوصول إلى الشارع مباشرة.الأمر الذي أثار حكومات عربية وغير عربية ضدها، قي حالة امتزجت فيها مشاعرهم حيالها بالرهبة والكراهية والاحترام الخفي والرغبة في مشاهدتها حتى أنهم وضعوها في غرف نومهم.
وحاولت بعض الحكومات العربية إدخالها بيت الطاعة بالترغيب والترهيب عبر "مواثيق الشرف الإعلامية"، أو إغلاق مكاتبها واعتقال مراسليها والتضييق عليهم.
لقد عملت الجزيرة على تعزيز الحرية الإعلامية وطرح الآراء الجريئة، وقدمت نموذجا ايجابيا مؤثرا للإعلام الملتزم وأشاعت وعيا إعلاميا حول القضايا العربية ومنحت الشارع مساحة واسعة للتعبير، ومنحت فرصا متكافئة لصانعي القرار في العالم العربي والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية.
على الصعيد العالمي مثلت الجزيرة تعبيرا حيويا للعولمة ونجحت للمرة الأولى بتحويل مجرى المعلومات الذي يتدفق من "الشمال إلى الجنوب" الى الاتجاه المعاكس من "الجنوب إلى الشمال" بمهارة بالغة، ساعدها في ذلك اعتماد الحرية والمهنية والكفاءة والتكنولوجيا والإبداع والسرعة والاقتراب من الشارع وتجاوز الخطاب الرسمي والتشويق والتوثيق.
ويمكن اعتبار الجزيرة أيضا جزءا من التغييرات العميقة التي اجتاحت العالم منذ نهاية الحرب الباردة واجتياح العراق للكويت وهجمات سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية واحتلال أفغانستان والاحتلال الأمريكي للعراق.فعلى الرغم من أن الجزيرة ولدت في ظل ظروف إقليمية ودولية عاصفة إلا أنها استطاعت أن تبحر في اللجة دون أن تكون ضحية لتضارب المصالح ونزاع القوى المختلفة. ونجحت بتقديم وجهات النظر التي يتجاهلها الإعلام المعادي للقضايا العربية والإسلامية ولعبت دورا ايجابيا في تخفيف حدة هذا الإعلام الذي يتصيد الأخبار المسيئة للعرب والمسلمين.
ليس من السهل إصدار حكم على الجزيرة، إلا أنها نجحت في قلب معادلة الإعلام العربي وأحدثت ثورة حقيقية، وحاولت إنقاذ الوعي العربي باحتراف كبير يتحدى الخطاب السائد وابتعدت عن إثارة النعرات الإقليمية والطائفية والمذهبية والقبلية وتوجهت إلى العقل العربي للمساهمة في خلق واقع عربي.
لقد توسعت الجزيرة التي صارت شبكة إلى الحد الذي أصبح فيه البعض يطلق عليها "إمبراطورية"، وباتت شبكتها تضم الجزيرة الانجليزية والوثائقية والجزيرة مباشر والأطفال ومجموعة كبيرة من القنوات الرياضية، وبدأت بمخاطبة العالم باللغة التي يفهمها، وتوجهت إلى المشاهدين غير العرب، وأضحت المطالب بإنشاء جزيرة ناطقة باللغة الفرنسية وأخرى باللغة الاسبانية مطالب معقولة.
فالجزيرة ارتقت إلى ارفع درجات الإعلام العربي وتسلمت زمام القيادة واستحقت عن جدارة المركز الأول في العالم العربي بين القنوات الإخبارية، وأصبحت المصدر الأول الموثوق للإخبار في العالم العربي كما تشير استطلاعات الرأي في بعض الدول العربية التي سمح فيها بإجراء مثل هذه الاستفتاءات. وحفزت مجموعة كبيرة من الدول العربية والاجنبية على تاسيس قنوات اخبارية باللغة العربية، الا انها جميعها فشلت بمنافسة الجزيرة.
وعلى الرغم من كل الآراء المتناقضة والخلافية حيال الجزيرة إلا أن الجميع يقرون بدورها الكبير، وبتأثيرها الإعلامي والسياسي والاجتماعي، وبأنها أعادت صياغة قواعد اللعبة الإعلامية في المنطقة، وجعلت من الصعوبة بمكان تجاوز دورها في العالم العربي، وأثبتت أنها متمردة على السائد وعصية على التطويع،ولن تدخل بيت الطاعة الرسمي، وأنها بعد 13 عاما من انطلاقتها لا تزال تشكل ضرورة لابد منها، ورافعة لتغيير الواقع العربي نحو الأفضل.
لا يمكن تصور الفضاء العربي دون الجزيرة الحاضرة في القمة والقاع وفي الشارع لتكون بحق عين الأمة العربية التي تسجل وتنقل الحقيقة كما هي دون رتوش لتسويد الصورة أو تجميلها.
aridamer@yahoo.com