عمون - رجّل الفارس والعالم والباحث الفذ العم الدكتور الكيميائي الياس سليمان حدادين عن صهوة جواده صباح هذا اليوم الحزين في ولاية جورجيا الأمريكية بعد حياة حافلة بالجدّ والعلم والعمل والإنجازات والذكريات.

كان فقيدنا الغالي ابناً بارّاً لوالديه، سنداً وداعماً لإخوانه واخواته، محبِّاً ومخلصاً لأبنائه وبناته وزوجته، جريئاً لا يتردد في الوقوف مع الحق، عصامياً، مُصلحاً لذات البين، نال احترام كل من عرفه فرفع الله من شأنه لتواضعه ولدماثة خلقه وعلمه وثقافته الواسعة... كان يعامل الجميع بكل احترام ومودة فدخل كل القلوب دون شرط او إذن.

العم الياس "ابو الليث" كان احد أبرز روّاد عصره. رحلة حياته بدأت من مسقط رأسه قريه ماعين حيث لا طرق معبدة، ولا كهرباء، ولا حتى أبسط مقوّمات الحياة التي نعرفها اليوم، ومنها أنهى دراسته الابتدائية، ثم انتقل الى مدارس مادبا الإعدادية، ثم أنتقل إلى عمان ليكمل دراسته الثانوية من كلية الحسين حيث أنهى آخر صفين بامتياز في سنة واحدة. انتقل بعدها للعمل في حقل التدريس في منتصف الخمسينات في مدرسة صلاح الدين في الأشرفية ومدرسة شكري شعشاعة، تلك المرحلة التي نسجت فصولها اجمل ذكرياته وانطبعت صورة استاذ العلوم الوقورة والانيقة في ذاكرة أفواج من تلاميذه الذين أصبحوا اعلاماً وقادة في كافة أصقاع الدنيا.

في منتصف عام 1960 دفعه طموحه العلمي لمتابعة علمه فاستقبلته مدبنة شيكاغو الاميريكية لدراسة الكيمياء والرياضيات ومن ثم الماجستير والدكتوراه. ثم بدأ مشواره المهني في مجال الأبحاث الكيميائية في شركات التصنيع الغذائي والحبر وغيرها من المواد الكيميائية متعددة الاستخدامات، وسُجلت باسمه عدة براءات اختراع ونال ارقى شهادات واوسمة التميز والإبداع في المحافل العلمية والقيادية. خلال تلك لفترة التحق بإحدى أشهر الجامعات الاميريكية North Western University ببرنامج إدارة الأعمال حيث حصل درجة الماجستير MBA. تدرج في المناصب الإدارية في كبرى الشركات الاميريكية حتى ترأس إدارة البحث والتطوير في شركات صناعية عالمية عديدة. فأنهى مسيرته الوظيفيه قبل قرابة عقد ونيّف وأسس شركة استشارات تقنية PetraTech International وورد اسمه في قائمة ال Who Is Who الشهيرة.

كان فقيدنا وعميدنا الغالي ولا زال حتى آخر ايامه ناشطا في الجمعيات العربية الاميريكية لمكافحة التمييز. إذ ترأس فرعها الرئيس في ولاية جورجيا لدورات عدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وفي المجال العام كان عروبياً حتى النخاع منذ ريعان شبابه في خمسينيات القرن الماضي وحتى يوم رحيله. نشر العديد من المقالات السياسية في الصحف الاميريكية، وخاطب كبار الساسة الاميريكيين في الكونغرس ومجلس الشيوخ مدافعا عن القضايا العربية وعلى راسها القضية الفلسطينية والحرب الشعواء في العراق وسوريا. عشق قراءة التاريخ والفلسفة والأديان وكان بصدد تأليف كتاب Biography يحاكي فيه المحطات الرئيسة التي مر بها طيلة مسيرة الكفاح وتغطية المؤثرات والظروف والمحطات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي كان لها الأثر الكبير في مسيرته الغنية بالدروس التي لا بد للأجيال القادمة الاطلاع عليها.

عمي الغالي .... وداعاً لجسدك الطاهر الذي سيحتضنه تراب الأرض التي استقبلتك وفتحت ذراعيها لك ... وداعاٌ لروحك الطاهرة التي لم ولن تهجر الوطن والاهل لتلتقي والديك وشقيقيك وشقيقتك وابناء عمومتك الذين احببت.

عمي الحبيب كنت بمنزلة الأب الثاني لنا... كنت مدرسة ومثال حيّاً جسّد اسمى معاني النبل والخلق والعصامية والعلم والحكمة والرزانة... كنت المثل الأعلى والمعلم الأول لي أنا ولأجيال عديدة سبقتني ولحقتني.... نم قرير العين لانك ادّيت الرسالة وها انت تسلِّم الامانة لصاحبها ... والشعلة التي حملت وعبرت بها المحيط سيبقى نورها هادياً لابنائك وبناتك ولكل من عاشرك وتأثر بك.

رحمك الله يا اغلى الرجال وأسكنك فسيح جناته... نعزي انفسنا وزوجتك ام الليث وابناءك جميلة (جيمي)، ليث، نادر وجيهان والعمات الغاليات مريم وجليلة.

الرب اعطى والرب اخذ فليكن اسم الرب مبارك