* في القافلة المنسية من تاريخ وأعلام الأردن زيد بن عمرو بن نفيل " الرجل الحنيف الذي "يبعث أمة وحده" يوم القيامة من أم الرصاص في الأردن

* ملخص بحث للدكتور: يوسف رشيد زريقات/ مدير مركز دراسات العهد القديم

عمون - حظي الأردن بسبب موقعه الجغرافي الفريد في العالم القديم بتعاقب للحضارات والعقائد ونال الشرف الأعظم بأن عطرت نعال الأنبياء والصحابة والأولياء والشهداء والقديسين أرضه طولا وعرضا. وكانت الأردن وجهة شعوب المنطقة ومنها أهل الجزيرة العربية قبل الإسلام على طول طريق رحلة الشتاء والصيف التجارية عبر الطريق الملوكي من مكة الى دمشق.

وكان ممن قصد الأردن قبل البعثة النبوية بسنوات قليلة الرجل المؤمن الحنيف الذي ذكره الرسول عليه السلام بأنه "يبعث أمة يوم القيامة". انه زيد بن عمرو بن نفيل القرشي، والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وكان عرف في مكة المكرمة بعدم أكله مما يذبح على الأنصاب الأوثان فخرج شابا من ضمن أربعة رفقاء في رحلة البحث عن الدين الحق الى الموصل وبلاد الشام حتى انتهى به المطاف بالسؤال عن الدين الحق في ميفعة "أم الرصاص" من أرض البلقاء.

ذكر ابن كثير عن يونس بن بكير" بأن زيدا وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث ، وعبد الله بن جحش خرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى، والملل كلها، الحنيفية دين إبراهيم. " ويضيف بأن ورقة بن نوفل تنصر واستحكم في النصرانية وأما زيدا فقد اعتزل الأوثان، وفارق الأديان، من اليهود والنصارى والملل كلها" (1) .

وكان زيد ممن انكر على قريش وأد البنات ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما- قالت: ".. وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها" (2)

قال فيه الرسول الكريم أنه يبعث أمة واحدة، فقد أخرج الأمام أحمد عن المسعودي في مسنده بأن أبنه سعيد بن زيد قد سأل الرسول عن الاستغفار لوالده زيد قائل: "أن أبي كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك وأتبعك فاستغفر له
قال رسول الله "نعم فاستغفر له، فانه يبعث أمة وحده". (3)

أما مقتله من أرض الأردن فكان في ميفعة "أم الرصاص" . روى هشام بن عروة أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام. فلما بلغه خبر بعث رسول الله أقبل يريده ، فقتله أهل ميفعة بالشام .وذكر أبن حزم بانه التزم الحنفية دين ابراهيم الى ان قتله أهل ميفعة وهي قرية من قرى البلقاء قرب دمشق. (4)

وكذا ذكر أبو الربيع الأندلسي موقع ميفعة " ثم اقبل فجال الشام كلها حتى انتهى الى راهب في ميفعة من ارض البلقاء" (5) وميفعة في اللغة من اليفع، فيقال المكان اليفوع هو المكان المرتفع. وميفعة "أم الرصاص حاليا" كما نعلمها بنيت على مكان مرتفع يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة الى الجنوب الشرقي من مدينة مأدبا. (6) واتفق المؤرخون على أن موقع ميفعة هو نفسه موقع أم الرصاص حاليا، فوصف ابن عساكر ميفعة بأنها "وراء زيزياء".(7)
ووصفها ياقوت الحموي بأنها "من قرى البلقاء، كبيرة يطؤها الحاج، ويقام بها لهم سوق كبير وفيها بركة عظيمة.(8) كما حددها ابن هشام في سيرته بأنها من "في أرض البلقاء من الأردن".(9) وقد بقي موقع ميفعة التاريخية مجهولا حتى تم الكشف داخل أسوار موقع أم الرصاص الأثري بالقرب من مأدبا حيث أميط اللثام عن أرضية فسيفسائية جميلة تجاوزت مساحتها 500مترمربع في كنيسة القديس أصطيفان الفريدة والتي بنيت عام 718 م خلال العصر الأموي لتقف شاهدة على التعايش الإسلامي المسيحي على أرض الأردن. وقد شملت على خرائط 27 مدينة كانت قائمة حينها على أرض الأردن وفلسطين ومصر. وقد وجد اسم ميفعة على تمثيل للمدينة باسم حصن ميفعة (Kastron Mepha'a) وهو نفس الاسم الذي ورد في أسفار العهد القديم كإحدى بلدات مؤاب.(10)

وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلتُ الجنَّة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين".(11) مات زيد بن عمرو قبل المبعث، توفي وقريش تبني الكعبة قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. أي حوالي عام 605 للميلاد. (12)

tourismyousef@gmail.com