facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين كرامة المعسرين وحقوق الدائنين


فيصل تايه
27-11-2019 04:37 PM

الإجراءات التفيذية التي تتخذها الجهات القضائية بموجب القانون الحالي والمتضمنة احكام بحق المنفذ ضدهم أو المدينين المعسرين مهما بلغت شدتها فهي بحكم قانون التنفيذ "قانونية" ، والقاضي هنا ما هو إلا منفذ يطبق الاحكام ، لكن القانون حينما يتضارب مع آدمية الانسان يكون في حاجة إلى تعديل بسن مادة ترفق بالمدينين المعسرين - ليس بمعنى إعفائهم من التنفيذ - إنما توفير الحماية للعاجزين أو العاطلين منهم لحين إمكان الايفاء بمديونياتهم ، فالناس تفهم أن الدين يسر وليس عسرا، وعلى رغم هذا الفهم الراسخ بقيت قوانيننا الوضعية متشددة وجامدة في هذا الجانب وفي حق المدين المعسر ، فقانون التنفيذ المعمول به حالياً ومهما أجري عليه من تعديلات لم يفرق بين المدين القادر الذي يستطيع ان يؤدي دينه وبين "المعسر" الذي لا شيء لديه يقدمه ليتجنب السجن والاجراءات القاسية.

لا شك ان القانون وضع لتطبيق العدالة وضمان الحقوق ، ولا ينازع في صحة هذه البديهة أحد ، لكن هناك ظروفا دعت المواطن إلى الاقتراض من المصارف والبنوك او التجار جعلته اخيرا عاجزا عن الأداء كالبطالة والشيخوخة أو الافلاس في التجارة ، فكل فرد معرض لحادث طارئ يمكن ان يفقده مصدر رزقه فيما قانون التنفيذ لا يأخذ بهذه العواطف ، لذلك خلت مواده من الرحمة ، والرحمة اوجدها المشرّع في بعض القوانين وأتاح للقاضي استخدامها ان دعت الحاجة خصوصا في حال علمه بوجود ظروف إنسانية سيئة لدى المعني وثبتت صحتها من الواقع.

ان استعراض الحالات المعسرة والمدينة للغير أو للمصارف تحديدا يفتح الباب لاستيضاح ما يجري داخل محاكم التنفيذ حينما اجاز القانون للقاضي استخدام القوة الجبرية ، والنماذج كثيرة نسرد منها معاناة هؤلاء «الاحياء الاموات» الذين ضاقوا من عناء الدين والبطالة والاجراءات التي يتخذها قضاة التنفيذ ضدهم ، من قبض وملاحقة وحبس وتشتيت اطفال وحجز على اثاث المنزل وعائلة تعيش بلا امان ، فهم يعون ان العدالة تقتضي إرجاع الحقوق إلى اصحابها ، لكن المدين هذا المعسر كيف يسدد ديونه إن وقع في براثن البطالة والحاجة ، وخصوصا إن ثبت حقا انه معسر ولا يملك في حاضر وقته ما يقدمه لسداد ديونه ، كيف يتصرف معه قاضي التنفيذ في ظل القانون ، إنها سلسلة من اجراءات مفتوحة لا تنتهي فالحبس والتوقيف والحجز على الاثاث وحاجات العائلة كلها تستخدم في حق «المنفذ ضده».

قسوة حال المدين وخوفه وحاجة اطفاله وتشردهم وضياع العائلة عند حبس رب الاسرة وعائلها الوحيد ، وإلقائه في السجن وحجز حريته وتفويت فرصة عمل ربما تلوح له في الافق يرتزق منها ليعيل اطفاله ويسدد ديونه وايضا منعه من السفر أو تجديد جواز سفره في حال انتهاء صلاحيته ، واتخاذ الاجراءات التحفظية أو الوقتية وايضا التفويض باستخدام القوة الجبرية عند الاقتضاء والاستعانة برجال الامن واصدار القرارات والاوامر الخاصة بوضع الحجز على الممتلكات ورفع الحجز عنها إضافة إلى بيعها ، فالقاضي عند اصدارة الحكم يمارس صلاحياته ويستجيب لأي طلب يتقدم به طالب التنفيذ أو وكيله لذلك تكون جميع الطلبات مستجابه .

عشرات الالف من الاردنيين عليهم قروض شخصية، وغالبيتها لمصارف تجارية ما يعني ان نسبة الاقتراض مرتفعة جدا نظرا إلى تدني الرواتب وضغوط مستلزمات الحياة فالنسب مرتفعة ، وعلى رغم ان الكثير من الإحصائيات المتعلقة بهذا الشأن لم تبين نسبة المقترضين المعسرين الذين يلاقون صعوبة في التسديد بسبب البطالة او العجز عن العمل ونسبة أوامر الاداء التي تنظرها محاكم التنفيذ فإن الرصد المكثف الذي قامت به بعض الجهات الحقوقية بينت القضايا التي تنتظر محاكم التنفيذ تبين ان نسبة كبيرة من القضايا هي أوامر اداء تستصدر ضد اردنيين مدينين للبنوك ، ومعظم هؤلاء معسرون لا يستطيعون الايفاء بمديونياتهم ، فيما القضايا الاخرى المحولة إلى التنفيذ هي قضايا تعويض أو مديونيات لاشخاص وشركات ، فيما يتم الاكتفاء بتقديم الشيكات والمستندات إلى محكمة التنفيذ لتقوم بدورها ، وفي ظل وجود قانون جاف يعامل السارق والمقترض المعسر على حد سواء من دون ان يترك مساحة رحمة يتحرك فيها القاضي إذ أجاز له استخدام القوة الجبرية على الجميع ، وبذلك يكون القانون في حاجة إلى اعادة نظر بما يتناسب مع حال وضع المواطن المحاصر بالقروض من جانب والبطالة من جانب آخر، والاخذ في الاعتبار التغير الذي طرأ على المجتمع إذ اللجوء إلى الاقتراض بشكل ملحوظ من أجل العيش.

الكثير من التجار الذين غادروا البلد نتيجة تعثر عملهم التجاري بسبب الكساد والوضع الاقتصادي المتردي ، وتراكم الديون المستحقة عليهم وعدم مقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم ، اصبحوا مشلولين ، فمن جهة لا يستطيعون مواصلة نشاطهم التجاري الذي يمتد لاجيال لكي يتمكنوا من دفع ما عليهم من ديون وتوفير لقمة العيش الكريمة لأبنائهم بسبب الاجراءات والملاحقة والتعميم عليهم كمطلوبين للقضاء ، من جهة أخرى لا يستطيعون الانخراط في أي وظيفة شريفة ، وهم في حيرة فقد طال الصبر على معاناتهم والحاجة لحماية انسانيتهم وكرامتهم وكرامة عائلاتهم من تلك الاجراءات ، فقد استنفذوا جميع الوسائل وبعد رفض كل مساعيهم الودية لتقسيط هذه الديون بموجب امكاناتهم المتردية واصبحت حياتهم لا تطاق ، فدستور المملكة ينص على حماية المواطن وصون كرامته وهيبته ويحرم تعذيب المواطن بأي شكل كان بينما الاجراءات المتخذة من محاكم التنفيذ في غياب المال والأصول لتسديد الديون فإن هذه الممارسات تصبح في حكم التعذيب والاضرار بالمديونين واهانة كرامتهم وكرامة عائلاتهم بغير حق ومعاملتهم معاملة المجرمين والنصابين.

ان القانون المعمول به يضخم من حجم المشكلة ولا يحلها خاصة بالأمور المتعلقة بالحجز على الممتلكات التي تعيش عليها الاسر الفقيرة في حال تخلف عائلها عن اداء ديونه يجعلها عرضة للهلاك والضياع والتفكك الاسري ، وليس غياب دراسة ميدانية في هذا الجانب تكشف عن الآثار النفسية والاجتماعية السيئة لمثل هذه الممارسات تستطيع ان تخفي الواقع ، فالجريدة الرسمية تُفيض مع كل اصدار جديد لها بالاعلان عن عشرات المزادات العلنية التي تباع فيها حاجات المدينين من المعسرين بحكم ما يسمى بقانون التنفيذ الذي غاب عن مواده الجانب الانساني وسماحة الاسلام في هذه الحالات لتتشتت عوائل ويزداد حجم المشكلات الاجتماعية لدينا.

المسألة «معقدة للغاية» ونحتاج إلى ان نكون واقعيين لحلها ، وبين شد وجذب في هذا الموضوع يظل قانون التنفيذ يعالج المشكلة بخلق معضلة تهدد المواطن في كرامته وأمنه واطفاله، وليس من حل سوى تعديل او تغيير هذا القانون - كما يطالب البعض - والذي لم يواكب التغير الطارئ في الحياة الاجتماعية وصعوباتها التي من سماتها العيش بالديون والقروض، فارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :